|
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
معظم المسابقات القرآنية تُبنى فروعها على مقدار الحفظ، أما مسابقة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال المعوقين، فتنبني على نوع الإعاقة ومن ثم تحدد لكل نوع مستويات الحفظ.
هذا ما يوضحه سعادة الأمين العام للمسابقة الأستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن السبيهين، الذي قال: لدينا في هذه المسابقة ثلاثة فروع وكل فرع لديه ثلاثة مستويات، فهناك الفرع الأول وهو المعوقون جسدياً، والفرع الثاني المعوقون إعاقة علوية شديدة مع صعوبات النطق، والفرع الثالث المعوقون عقلياً وجسدياً أو عقلياً فقط.
حول هذه المسابقة الفريدة في نوعها التي تُقام تصفياتها النهائية للدورة السابعة عشرة خلال الفترة من 25 - 27 جمادى الأولى الجاري بالمدينة المنورة، كان هذا الحوار مع الأمين العام لها الأستاذ عبد العزيز السبيهين تناول فيه شؤونها وشجونها وبرامجها المتعددة منذ كانت فكرة وحتى الآن.. وفيما يلي نص الحوار:
* بداية كيف بدأت فكرة المسابقة؟
- لما كانت المسابقة والتنافس على حفظ كتاب الله الكريم أسلوباً تربوياً ونشاطاً يُعتمد عليه في المدارس التربوية الحديثة، فإن المسابقة في حفظ القرآن الكريم تُعتبر نوعاً من أنواع النشاط الذهني الذي يستثير مواهب الإبداع والتنافس.. ولذلك فهي تدخل ضمن النشاطات غير المنهجية للطلاب المعوقين.
وإذا كانت التربية الحديثة لذوي الاحتياجات الخاصة تركز على الموسيقى في المناهج الدراسية - وتصفها بأنها تنمّي في الطفل المعاق أشياء كثيرة من أهمها تخفيف الشعور بالعزلة وتحقيق النمو الانفعالي والاجتماعي وتنمية الإدراك والإحساس والانتباه والتقليل من عيوب النطق والكلام - فإن المسلم وبخاصة المعوق بحاجة إلى سند يعايشه دائماً ويناجيه في كل أحواله، وهذا ما يحققه القرآن الكريم بشكل أكمل وأوفى من الموسيقى إذا كان في الموسيقى شيءٌ من ذلك.
والقرآن بألفاظه ومعانيه الواضحة يحقق للمعوق سماعاً ومحاولة قراءة جمعاً بين تحسين النطق وتنمية الإدراك والانتباه وحفز الذاكرة علاوة على الاطمئنان النفسي وتثبيت العقيدة والإيمان بالقضاء والقدر وما يُدخَّر لمن اُبتلي فصبر من أجر عظيم.
وقد أحسنَ صاحب الجائزة سمو الأمير سلطان بن سلمان، حين قال في افتتاح أول مسابقة: إذا كان الغرب يعتمد على الموسيقى كمنهج تربوي وعلاجي للمعاق، فإن لدينا نحن المسلمين ما هو أجلّ وأعظم وأسمى من أن يُقارن بالموسيقى إنه القرآن الكريم، ففيه هدى ورحمة وشفاء واطمئنان وحياة وفيه تثبيت للعقيدة وغرس للقيم والأخلاق وتقويم للسان وحفز للذاكرة وفيه إشاعة للاطمئنان النفسي لدى المعوق.
إذاً، فالقرآن الكريم أسلوب علاجي وتعليمي وتربوي زاخر بكل القيم والفضائل التي تهدف إليها التربية القويمة والسلمية في إعداد المواطن الصالح المتفاعل مع بيئته ومحيطة ومجتمعة وأمته.
فحامل القرآن مؤمن وصالح وصابر لأنه يحمل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، وحامل القرآن بار بوالديه لأنه يحفظ قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (23) سورة الإسراء.
وحامل القرآن مطيع لله ورسوله ولولي أمره لأنه يحمل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء، وحامل القرآن يحب العلم وطلبه لأنه يحفظ قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة، إن حامل القرآن متصف بصفات كثيرة يصعب حصرها والإحاطة بها في هذا العجالة.
ومن هنا جاءت أهمية إقامة تلك المسابقة لأهداف عظيمة وجليلة وسامية منها:
1 - تشجيع الناشئة من المعوقين جسدياً وعقلياً على حفظ كتاب الله وتدبر معانيه.
2 - تأهيل الأطفال المعوقين لمواكبة غيرهم من حفظة كتاب الله الكريم.
3 - ربط الناشئة من المعوقين بدينهم وكتاب ربهم ومجتمعهم المسلم.
* وكيف يتم تمويل هذه المسابقة ومن يُمولها؟
- لقد انطلقت هذه المبادرة الخيّرة من قِبل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، رئيس مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين وللأسباب التي ذكرتها آنفا وتبناها على حسابه الخاص بمعزل عن ميزانية الجمعية ومصروفاتها، وإنما تتولى الجمعية مهمة التنظيم والإعداد والإدارة وتشرف عليها أمانة عامة مكونة من تسعة من أصحاب الخبرة والفكر والرأي والتخصص ويتولون وضع خطتها السنوية وإستراتيجيتها ومناقشة المقترحات والأفكار التطويرية لها.
* كم تبلغ جوائزها؟
- الجوائز موزعة على الفروع والمستويات الثلاثة لكل فرع، وفي كل مستوى ثلاثة مراكز للفوز، فيكون لدينا سبعة وعشرون فائزاً ومجموع جوائزهم ومكافآتهم قرابة مائتي ألف ريال.
* ماذا يُقدم للمتسابقين خلال انعقاد المسابقة؟
- كل متسابق يحصل على مكافأة مصروف جيب قدرها ثلاثمائة ريال مع وجبات أطفال يومية وحقيبة بداخلها المصحف المعلم ومصحف مرتل وساعة يد وقلم وقميص يحمل شعار المسابقة والجمعية، وبالطبع تتحمَّل المسابقة تكاليف السفر والإسكان والإعاشة والتنقلات.
* ما هي أهم شروط المسابقة، وهل هي مخصصة للسعوديين فقط؟
- المسابقة كما ذكرت سابقاً مخصصة للمعوقين حسب فئاتهم بشرط ألا يزيد عمر الطفل أو الطفلة المشارك عن خمسة عشر عاماً وألا تزيد نسبة الذكاء عن 65 درجة والمشاركة مفتوحة للراغبين من السعوديين أو المقيمين من الجنسيات الأخرى كما توجه الدعوة سنوياً للجهات المختصة في دول مجلس التعاون الخليجي.
* ما هي انطباعاتكم عن هذه المسابقة.. وهل حققت أهدافها؟
- الحمد لله، فبفضل الله أن هذه المسابقة كانت خير حافز ومشجع لهؤلاء الأطفال في الإقبال على حفظ كتاب الله الكريم.. وقد كانت لدينا خطة تقوم على عدة محاور الأول هو الطفل، والثاني مراكز المعوقين، والثالث الأسرة.. فأما الأول وهو الطفل فقد كانت المسابقة خير جاذب لهذا النشاط، حيث بدأ الأطفال في حفظ القرآن ابتداءً من المستوى الثالث في الفرع الثالث باعتباره البوابة الميسورة للدخول في المسابقة ثم يتطور حفظه عاماً بعد عام حتى يكمل حفظ أجزاء من القرآن الكريم، وأما المراكز فقد كانت المسابقة بالإضافة إلى إلحاح أمانة المسابقة عليها وتشجيعها على التركيز على تدريس القرآن وتعيين معلمين ومعلمات متخصصات، وقد بدأنا نلمس ذلك بحمد الله، بل تعدى ذلك إلى جمعيات تحفيظ القرآن الكريم الخيرية فقد بدأت تخصص حلقات للمعوقين بالمساجد، وذلك نتيجة لرغبة أولياء أمور الأطفال، وأما المحور الثالث فهو الأسرة وقد ركّزت الأمانة على العناية بالتأصيل الشرعي للإعاقة والمعوق ونظرة الإسلام إليهما مقارنة بنظرة الحضارات والمجتمعات الأخرى مع التركيز على ما ورد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحث على الصبر والرضا والتسليم بقضاء الله وقدره، وما في ذلك من الأجر العظيم وتنشر في هذا الميدان بحثاً في كل عام بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتوزعه في جميع المناسبات.. كما يجري إعداد بحوث عن هذه المسابقة مع تحديثها بما يستجد من تطورات في هذه المسابقة وما يتحقق من نتائج.
ومن جانب آخر فقد كانت لي مشاركات في مؤتمرات ومسابقات جرى فيها التعريف بهذه المسابقة واتضح أنها لا مثيل لها في البلاد الإسلامية، فقد حققت قصب السبق وغدت تجربة غير مسبوقة، ومثلاً يُحتذى لمن أراد السير على منوالها.
هل تُوجد مسابقة مماثلة لها في الخارج؟
- حسب علمي وبعد التّقصي لا تُوجد مسابقة مماثلة إلا في جمهورية مصر العربية أُقيمت منذ ثلاث سنوات وتقوم عليها إحدى الجمعيات الخيرية بمبادرة من رئيسها - جزاه الله خيراً -، وهي مفتوحة للكبار والصغار المعوقين عقلياً فقط، وأُقيم منها ثلاث دورات حتى الآن.
* ما هي الجهات المشاركة في هذه المسابقة؟
- تُوجه الدعوة للمشاركة بالترشيح في هذه المسابقة إلى جميع المراكز الخاصة برعاية المعوقين وتأهيلهم التابعة للجمعية والمراكز الأهلية والخاصة وجميع إدارات التعليم في مناطق المملكة وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم في المناطق ووزارة الشؤون الاجتماعية المعنية بمعاهد التربية الفكرية بالمناطق وكذلك الهيئات الخاصة بالمعوقين في دول مجلس التعاون الخليجي.
* ما هي أسباب قلة أعداد المتقدمين مقارنة بالمسابقات الأخرى؟
- بالطبع المقارنة هنا غير واردة لاختلاف الفئتين، حيث يلحظ صعوبة تعلم المعوق في هذا المجال ثم النظر إلى نسبة المعوقين في المجتمع بالنسبة إلى الأسوياء، ومع هذا فلدينا معدل سبعين متسابقاً سنوياً، وهذا في رأيي أعلى من معدل المسابقات الأخرى.
* ما هو الموقف الذي تتذكره دائماً في الميدان؟
- ألحظ دائماً أن كل من يحضر ويرى هؤلاء المتسابقين ويستمع لتلاواتهم لأول مرة، لا بد أن تذرف عيناه بالدموع شاء أم أبى، وقد رأيت ذلك مراراً وعبَّر لي الكثير منهم عن هذا الشعور، متسائلين عن أسبابه والجواب هو صدق المعاناة في التلاوة مما يُلبسها ثوباً من الخشوع.