كل الأمم المتحضرة الراقية، أو السائرة في طريق النمو والتطور، تجعل أولى أولوياتها تقوية جبهتها الداخلية، والعمل على تماسك وحدة شعبها، وتبذل في ذلك الغالي والنفيس، وتخصص له نسبة كبيرة من ميزانياتها.
وغني عن الذكر أن اللبنة الأولى التي يتكون البنيان الاجتماعي منها، هي: الأسرة، فإذا كانت الأسرة ناجحة مبنية على أسس متينة من التفاهم، والتعاون، والتواد، كان ذلك مؤذناً - إن شاء الله - ببناء مجتمع قوي متماسك، يتربى أبناؤه الذين هم عماد الأمم، وركائز الشعوب، تربية سليمة سوية.
ثم إن علماء الاجتماع يكادون يجمعون على أن السنوات الثلاث الأولى من الزواج هي المدة الحرجة في بناء الأسرة. وقد دلت الدراسات والإحصاءات الأكاديمية أن معظم حالات الطلاق، وفشل الزواج تقع في السنوات الأولى من الزواج؛ ولذلك نالت هذه المرحلة نصيباً وافراً من الدراسات، والأبحاث، والندوات، والمؤتمرات على مستوى العالم، للخروج بتوصيات، وأفكار تحمي الحياة الزوجية - بإذن الله - من التصدع وتساعدها على تجاوز المرحلة الحرجة، وتحفظها من الأنهار، وما يترتب على ذلك من تصدع العلاقات بين الأسر، وربما بين القبائل بسبب الطلاق، مما يؤثر سلباً على تماسك المجتمع، ووحدته.
وكنت ممن وفقهم الله إلى الإدلاء بدلوهم، والمساهمة في تلك الجهود الاجتماعية من خلال دراسة ميدانية عن ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي، وكتابي الموسوم بـ»قبل إعلان حالة النكد» رؤى وأفكار للمقبلين على الزواج من شباب وفتيات « وكان من الرؤى والأفكار التي عرضتها في الكتاب أن تقوم الجهات المختصة بالتعاون والتنسيق بينها، بدراسة موضوع إقامة دورات تدريبية للمقبلين على الزواج تمهيداً لجعل اجتيازها شرطاً في عقد الزواج، أسوة بموضوع الفحص الطبي قبل الزواج.
وهذان الإجراءان ضروريان يكمل بعضهما بعضا، فالفحص الطبي يقي - بإذن الله - من كثير من الأمراض الوراثية، وبخاصة في مجتمعنا الذي يكثر فيه زواج الأقارب، وقد ذكرت في كتابي المشار إليه آنفاً عدة فوائد للفحص الطبي.
والفحص التدريبي يعلم الشباب المقبلين على الزواج المبادئ الأساسية لحياة زوجية مستقرة مبنية على أسس التفاهم، والمودة، والمحبة، والإيثار، ويوضح له الطرق العلمية للتعامل مع ما يعترض الحياة الزوجية من مشكلات وعقبات، وبخاصة في السنوات الأولى من الزواج التي تعد في غاية الحساسية.
وقد سررت كثيراً عندما قرأت اللقاء الموسع الشامل الذي أجرته صحيفة «الجزيرة « في عددها 14773 يوم الأحد 28-4-1434هـ مع معالي الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية الذي تطرق إلى عدد من الموضوعات الذي تهم الشأن الاجتماعي، وبخاصة عندما قال: (وهناك مشروع يدرس في مجلس الشورى، وسيرى النور قريباً - بإذن الله - وهو أنه لن يتم توقيع عقد النكاح للمقبلين على الزواج إلا بعد اجتياز دورة مخصصة في الحياة الزوجية ومشكلاتها. وسيكون ذلك اختيارياً في المراحل الأولى لتطبيق المشروع، ثم بعد ذلك سيكون إلزامياً، كما يحصل في مسألة الفحص الطبي).
ولم أستغرب صدور هذا الكلام من معالي وزير الشؤون الاجتماعية د. العثيمين، فهو الرجل المعروف بالجد والاجتهاد، والعمل الدؤوب لتطوير الشأن الاجتماعي، والسعي المتواصل للوصول إلى أفضل الحلول للمشكلات الاجتماعية، وصولاً - بإذن الله تعالى - إلى مجتمع قوي متماسك.
وعقب ذلك أقر مجلس الوزراء الموقر ما رفعته وزارتا (الصحة، والشؤون الاجتماعية) في شأن اقتراح عقد دورات توعوية للمقبلين على الزواج تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية، وفق إجراءات متعددة من بينها ما يلي:
1 - تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية - عن طريق الجمعيات الخيرية ومراكز التنمية الاجتماعية - بإعداد وإقامة برامج ودورات توعوية للشباب والفتيات المقبلين على الزواج في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها من أجل تأهيلهم تأهيلاً شاملاً في الجوانب الشرعية والصحية والنفسية والاجتماعية، من خلال نخبة متميزة من المدربين والمدربات، ويكون حضور هذه الدورات اختياراً لطرفي عقد الزواج.
2- تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية مهمة الإشراف على تلك الجمعيات والبرامج والدورات المقدمة، والنظر في مدى ملاءمتها للأهداف المرسومة لها.
ولاشك أن صدور مثل هذا القرار الذي يصب أولاً في خدمة المجتمع، جاء نتيجة دراسات وأبحاث متعمقة قامت بها الوزارة بتوجيه وإشراف مباشر من معالي وزيرها النشط الذي ينبغي أن تبرز الإنجازات التي تحققها وزارته بشكل تصاعدي على الرغم من أنها محط الأنظار وفي (فوهة المدفع) دائماً.
وهنا يؤكد د. العثيمين أهمية القرار وأنه سوف يؤدي بمشيئة الله لخفض نسبة الطلاق بين المتزوجين وتحقيق السعادة الزوجية الدائمة من خلال تهيئة الطرفين نحو نظرة واقعية للحياة الزوجية وتجاوز العقبات والمشكلات التي قد تعترضهما مما يؤدي لتكوين أسرة متماسكة، مشيراً إلى أن القرار تضمن أن يكون تطبيق هذا البرنامج بشكل اختياري لمدة ثلاث سنوات يتم بعدها تقييم البرنامج للنظر في إمكانية تطبيقه بشكل إلزامي للمقبلين على الزواج، لافتا إلى أنه سيتم تنفيذ هذا البرنامج من خلال الجمعيات الخيرية ومراكز التنمية الاجتماعية التي أكد الوزير العثيمين بكل ثقة بأنها قادرة على تنفيذ هذه الدورات بإذن الله بشكل يحقق الهدف المنشود من هذا البرنامج والذي سيكون له أثر ملموس في استقرار المجتمع وتماسك نواته الأسرية.
ولاشك أن نجاح هذا المشروع يتطلب أن تسبقه حملة توعوية، وإرشادية، وإعلامية، للتعريف بأهمية مثل هذا المشروع من كافة شرائح المجتمع أفراداً ومؤسسات، وبيان أهدافه السامية التي تعود بالنفع على المتزوجين، وعلى المجتمع عموماً.
alomari1420@yahoo.com