المجتمع السعودي بالفطرة، مجتمع محافظ على (الثوابت الدينية) المعلومة من الدين بالضرورة، ويقابل ذلك محافظته أيضاً على (الثوابت الوطنية) وإن شذّ قلّة قليلة، ونحن ندرك أنّ الشاذ لا حكم له، مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما (تويتر) باتت مرتعاً خصباً، عشعش فيها ثلّة، رضيت لنفسها الشذوذ عن القاعدة المجتمعية السعودية، التي من سماتها الوسطية في الطرح والتعاطي مع القضايا والأحداث المعاصرة، قادة هذه البلاد وعلماؤها المعتبرون، وعلى رأسهم الملك ووليّ عهده الأمين - حفظهم الله -، وسماحة المفتي - حفظه الله -، يؤكدون على أهمية المحافظة على العقل السعودي، من الشّطح والغلو والتطرُّف، لخطورتها غير المحدودة، وكثيراً ما يؤكد علماء الأمّة بالذات، خلفاً عن سلف بالرِّفق بالمخالف واستعمال اللين واللطف معه، خلاف ما يسلكونه مع هذا المخالف وذاك في كيفية الرد عليه، منهجهم قائم بالرد على الفكر، يتجنّبون الرد على الأشخاص في كثير من مخالفاتهم وبدعهم، تجنباً لإشهار هذا المغمور وذاك، وحجباً لبدعهم وأفكارهم المخالفة عن العامة، ولمّا كان كل مجتمع لا يخلو من الشطّاح النطّاح، تعالوا لننظر إلى حالة بعضنا في موقع (تويتر) بالذات، هذا الموقع الذي أصبح وأضحى وأمسى وبات، أشبه بحراج (ابن قاسم) بالرياض، وحراج (الصواريخ) بجدة، هذا الموقع لا تحكمه أخلاق المهنة البتة، تصاب بالقشعريرة لمّا ترى بأُم عينك التصنيف البغيض، ورمي الاتهامات جزافاً، والتأليب والتجريح والتكفير، تلعب بها أدوات شياطين الإنس، تتأسف وتصيبك الحسرة بسببها، تقول عندئذ، نحن في أي كوكب يا ترى؟ وفي أي قرن؟ عندما ترى أنّ من يتصدّى لهذه (الأفكار الملعونة) ويرفع عقيرتها، هو (أكاديمي) يُعلّم الأجيال في صرح تعليمي أكاديمي كبير، كيف نتصوّر عقولاً تتلقّى تعليمها على يد هذا الأكاديمي وأمثاله؟! طفق يرمي مخالفيه بأقذع الأوصاف ويتهمهم بالخروج من الملّة، يا للهول ليس لأدبيات الرأي والرأي الآخر، أدنى درجة في قاموس هذا الفكر، لا أخاله إلاّ وهو يتقمّص شخصية فرعون بقوله {.. مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ...} وأتباعه السّذج لسان حالهم يتقمّصون مقولة بوش الابن (من ليس معنا فهو ضدنا) هذا الفكر المتشدّد والمنغلق وأتباعه الرعاع، ركبوا الموجة ووجدوا ضالّتهم في ساحات هذا الموقع، ينشرون غسيلهم من الغيبة والنميمة والفساد والفتن بين أفراد المجتمع الواحد، يدافعون عن صاحبهم ومعشقهم بالباطل، ويرمون مخالفيهم بالتهم، لنطرح هذا التساؤل البريء، هل هذا الفكر يدرك معنى الوطنية الحقة؟ وهل يدرك خطر وضرر هذا التمادي في اتهام خلق الله، لمجرّد طرح وجهة نظر مخالفة؟ ولماذا لا يكون لحسن النية حضور لديه؟ هلاّ شقّ صدر هذا وذاك، حتى يكيل السباب له والتهم في عقيدته؟ ولكي أقطع الطريق على المتربّص أيّاً كان، قد يقول قائل أنت تطرّقت لهذا المتشدّد، فلماذا أغفلت الطرف الآخر، وهو المتحرّر، في الحقيقة من يعرفني وكتاباتي في هذه الجريدة وغيرها، لا يمكن له طرح مثل هذا التساؤل، ذلك أنّ كثيراً من مقالاتي تناولت الطرفين بالنقد العلمي غير الجارح، لا يمكن أن أتناول بالنقد شخصاً بعينه، حتى في تغريداتي في موقع (تويتر) بقدر ما أتناول الفكر، ومقالاتي وتغريداتي مبسوطة أمام المطّلع والقارئ الكريم، للاستئناس بها، نعم يقابل هؤلاء (المتشدّدون) ثلّة من (المتحرّرين) الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، في كثير من طروحاتهم، وخاصة ممن له علاقة في بعض قضايا الدين، أو بعض مؤسساته، كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حول المرأة وما يدور في فلكها، لكن عزاءنا الوحيد أنّ هذين الفريقين، قلّة في محيط بلادنا الواسعة، التي تزداد مع الوقت قوة ومنعة وحصانة ومحافظة، في ظلّ عناية المولى جلّت قدرته، ثم برعاية هذه الأسرة المالكة الكريمة، التي تحكّم شرع الله بالمفهوم الوسطي الشامل للدين، الذي ارتضاه الله جلّ وعلا لعباده الصالحين المتقين، الحكماء والعقلاء لا ينكرون تلك الاختلافات في وجهات النظر، بل يعدّونها حراكاً مطلوباً بين أفراد المجتمع الواحد، متى ما كان في إطار المقبول والمعقول وفق الضوابط الشرعية والنظامية المرعية، كي تبحر السفينة بسلام، ويتمتع الجميع بالأمان .. ودمتم بخير.
dr-al-jwair@hotmail.com