زيارتي لليابان تخللها برنامج لزيارة بعض الجامعات اليابانية من ضمنها الجامعة التي درست فيها عندما كنت مبتعثاً لليابان، منذ زهاء 30 عاماً، وهي جامعة (توكاي)، فلم أدع الفرصة تفوت، حيث تجولت فيها، خصوصاً تلك الأماكن التي كنت أرتادها يومياً، فاستمتعت باسترجاع الذكريات، في صالة الأكل التي كنا نجتمع بها نحن الطلبة العرب الثلاثة فقط في الجامعة إذ ذاك، هذه الصالة تحولت لمركز إبداعات الطلاب، وكان مفخرة لنا أن نشاهد في هذا المركز شاباً سعودياً، هو أحد فريق الجامعة في صنع سيارة تسير بالطاقة الشمسية فازت بجائزة عالمية، وقد تبرع بشرح مكونات السيارة، هذا الطالب هو واحد مما يزيد على 50 طالباً سعودياً يدرسون بالجامعة.

في اليابان هناك ما يربو على 500 طالب مبتعث من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، معظمهم في تخصصات علمية وهندسية وفي جامعات متميزة بما فيها جامعة طوكيو المرموقة، وتشرف عليهم الملحقية الثقافية بالسفارة السعودية، وخلال لقائنا بسعادة الملحق الثقافي الدكتور عصام بخاري استثار إعجابي إلمام سعادته بشؤون الطلاب التفصيلية وتخصصاتهم والمعضلات التي تواجههم فرداً فرداً، مع أنه شدد على أن الطلاب السعوديين متميزون ضمن الطلاب الأجانب بصورة عامة. وأن التحديات التي تواجههم هي تحديات اللغة، وما عدا ذلك فأمورهم ميسرة.. هذا الأمر غير مستغرب من سعادته بحكم الخبرة في الشأن والبلد، حيث كان طالباً مبتعثاً درس في جامعة (واسدا) وهي إحدى الجامعات المرموقة باليابان ونال منها البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الهندسة.

الأمر الآخر الذي أذهلني في اليابان هو عند زيارة جامعة طوكيو، حيث يتم في أحد مختبراتها تطوير غذاء المستقبل لليابان، فاليابان تفقد بصورة مستمرة الأرض الزراعية لحساب الأراضي السكنية والتجارية والصناعية وسوف يأتي يوم لن يكون في اليابان أرض زراعية، هذا إلى جانب نمو الحاجة لتحقيق أمن غذائي للشعب الياباني في ظل تنافس الأمم على ما يخرج من نبات الأرض، ففي مختبر الأحياء في جامعة طوكيو يجري تطوير غذاء من كائنات مجهرية اسمها (EUGLENA) تتكاثر بفعل التمثيل الضوئي حيث تتغذى على ثاني أكسيد الكربون وعناصر أخرى تذاب بالماء، وقد توصلوا لجعل حوض من الماء طوله 800 متر وعرضه 800 متر وعمقه متر واحد أن ينتج ما يكفي لتغذية (190000) نسمة يومياً. وقد تناولت قطعاً من البسكويت المصنع من تلك الأحياء المجهرية لا يختلف طعمها كثيراً عن البسكويت المصنع من القمح. وقد قيل لنا إن مختبر الأغذية في الجامعة يعمل على تحويل تلك الكائنات المجهرية لمنتجات غذائية معروفة مثل المكرونة والخبز. وأن لديهم أبحاثاً أخرى لجعل هذه الكائنات أساس الغذاء لاستعمار الكواكب الأخرى في المستقبل عندما تضيق الأرض بساكنيها.

في معرض منتجات مختبرات جامعة طوكيو، تذكرت الحديث الشريف الذي من نصه «اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ولدنياك كأنك تعيش أبداً»، وتعجبت كيف يدعون عندنا لشطره الأول وفي اليابان يدعون لشطره الثاني، حكمة وسعة أمتين من الأجدر أن يعمل بها كلها وخصوصاً من ذوي صاحبها.