عالمُ الأرقامِ والأعداد عالمٌ مذهلٌ مدهش.. إنه نقطة في بحرٍ واسع.. وبابٌ مشرعٌ على مصراعيه لكل من يرغب في البحث والتوسع لمعرفةِ ماهية هذا العالم وفلسفته الجميلة. فمنذ وُجِد الإنسان في هذه الحياة استخدم العدد.. فكان يرنو لعد الأشياء البسيطة المحيطة به.. كمعرفة عدد أفراد أسرته أو عدد قبيلته أو تعداد قطعان ماشيته.. بل ذهب إلى أبعد من ذلك كثيراً فكان يتوقُ لمعرفة عدد النجوم ومواقعها
وهكذا.. وماوُجِد العدد إلا ليوجد معه الحساب ليكون هو الضابط الأوحد له والمخول الحصري لمعرفة صحة الحسابات من خطئها ويبقى العقل هو الحارس الأمين.
فلسفة الأرقام هي من أجمل الفلسفات التي تعلمتها في حياتي.. هي لغة العصر التي جعلت نجوماً تبعدُ عنا مليارات السنين أقرب إلينا من كبسة زر.. فإذا كانت هذه هي فلسفة وجمال عالم الأرقام.. فما بالك [بالصفر] الذي ينعتُه البعض بأنه مجردُ نقطة على سطر.. فهل فكرت يوماً عزيزي القارئ أن تبحر بعقلك وسط عالم الأرقام والأعداد لتكتشف بأن فلسفة الصفر هي فلسفة للمستحيل الذي كشف أمامنا حقائق جديدة كانت عصية عن الفهم والتطويع.
لقد شكل الصفر فلسفة علمية باهرة.. ولا شك أن مانشهده اليوم من تطورٍ وثًاب في الحضارة المادية قائم على هذا الصفر السحري الذي سُهِل به الترقيم والحساب.. ويسًر الله تعالى به طرق أبواب الفضاء وسخره ليكون جوهر التقانة الحديثة على اختلاف أشكالها.. الصفر الذي تحول من مظهره البسيط في ظاهره ووفقاً لعمليات حسابية بسيطة مع أرقام مختلفة جمعاً وطرحاً.. قسمة وضرباً أوجد كل مانراه حولنا الآن في دنيا العلوم والتقنية.. فيالها من فلسفة تغيب عن أذهان الكثير.. إذن ماهو أصل الصفر ومنبته.. وهل يعتبر رقماً؟
اختلف المؤرخون في أصل الصفر ومنبته.. وقد رجح أكثرهم أنه هندي الأصل.. بينما ذكرت بعض الروايات أن أصله عربي ودليلهم على ذلك أنه يعني [الخلو] والخلو كلمة عربية.. ومال البعض إلى أن الصفر ربما كان من اختراع الإغريق أو الرومان.. حيث كان الرومان يعبرون عن الصفر برسم دائرة وفي وسط الدائرة نقطة.. ومهما يكن فإن استعمال الصفر والاستفادة منه يُعتبر أكبر ابتكارٍ وإنجاز وصلت إليه البشرية في حياتها.. ومن دونه لما تمكن الإنسان أن يفرق بين مواقع الأرقام.. فحتى عصر متأخر اعتبر المؤرخون الأرقام تسعة أحرف فقط وبناءً على ذلك يُورَد الصفر على أنه إشارة لملء منزلة خالية لذلك لا يُعَد من الأرقام من وجهة نظرهم..
وحتى القرن السادس عشر بقي الصفر مثار جدل لدى الأوروبيين ولم يتمكنوا من فك الغموض الذي يحيط به وهذا بالفعل ما أشارت إليه المستشرقة الألمانية [زيغريد هونكه في كتابها شمس العرب تسطع في الغرب] حيث تقول: [كان تفهم الناس لمعنى الخانات وقيمة الأرقام أكبر مشكلة واجهت كل الراغبين في تعلم الأرقام العربية لهذا ركزت الكثير من كتب الحساب مجهودها في إفهام الناس معنى الخانات وطرق استخدام الأرقام ومتى تُملأ الخانات بالصفر ولعل اللافت أن الكتاب يتحدث عن منظومة ألمانية تذكر الروايات أنه من شعر العصور الوسطى.. وتبين هذه المنظومة أهمية موقع الصفر بالنسبة للأرقام العربية وقد سُجلَتْ هذه المنظومة الألمانية على النحو التالي:
الأرقامُ تسعة فاحترس
تُنْطقُ كلُها دون لبسٍ
ولكن انتبه أيضاً لي
أنا الصفرُ لا يُنطقُ بي
دائرةٌ مستديرة متكاملة
فيً قيمةٌ في المعاملة
أنْ أضفتني إلى يُمنى عدد
أصبح عشرة أمثاله
وبي تستطيعُ الترقيمَ
فتتضح الأعدادُ وتستقيم
لقد طور الإنسان واكتشف وابتكر ولازال يفكر ويبحث عن المزيد من الحقائق حول الصفر وماهيته ومايحمله من أسرار لا حصرلها تحفز الذهن وتشد العقل إلى مسافات من التأمل يعجز عن وصفها البيان. وربما من خلال بحثه يكتشف مدلولات ومفاهيم جديدة تُبنى على الصفر ويعود نفعها على البشرية.
zakia-hj1@hotmail.comTwitter @2zakia