يُخطئ من يعتقد أن مهمة المؤسسات التعليمية، تقتصر على تعليم القراءة والكتابة وإعطاء مفاتيح العلوم للطلاب دون العمل على تعليم الناس ما يحتاجون إليه في حياتهم العلمية والعملية، وترجمة هذه العلوم إلى واقع يلمسه الناس، وأهم شيء يحتاجونه ولا حياة لهم بدونه هو الأمن في الأوطان، وأستطيع القول بأن الأمن هو مسئولية الجميع، لكنه في حق المؤسسات التعليمية آكد لأمرين هما:
1 - إن هذه المؤسسات تجمع جميع فئات المجتمع على اختلاف أعمارهم بداية من السن المبكرة التي تتمثَّل في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وهذه السن تسمح للمعلم والمربي أن يصيغ صاحبها بالصياغة التي يريدها، فإذا لقي الفرد من يُوجهه التوجيه السليم نشأ نشأة طيبة يجني ثمارها المجتمع الذي يعيش فيه قبل فائدته هو، وإن كان الحاصل غير ذلك، فالعكس هو النتيجة الحتمية.
2 - إن الذي يقوم على هذه المؤسسات نحسبهم خلاصة مفكري الأمة ومعقد رأيها، وفيهم يجب أن تجتمع الصفات الحميدة المؤهلة لإدراك أهمية الأمر والشعور بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عواتقهم.
والمؤسسات التعليمية يُمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل تختص كل مرحلة منها بشيء من التوجيه والإرشاد، حسبما يُناسب سن الطالب، وأول هذه المراحل المرحلة الابتدائية: وهي البيئة الثانية بعد البيت التي يتلقّى فيها الطالب جميع المعارف والعلوم، ولذلك ينبغي انتقاء الأساتذة المتميزين بالخُلق والدين والعلم لهذه المرحلة، لأن الطالب في هذه المرحلة يكون التأثير عليه كبيراً، فهو بمثابة العجينة الرطبة التي يُمكن لصاحبها أن يصوغها بالصياغة التي يريدها، فالطفل ما زال على فطرته ويعتبر أن معلمه هو المثل الأعلى في الخُلق والمعاملة والدين، ولا أدل على ذلك من أنك عندما تُوجه ابنك الصغير إلى فعل مُعيّن أو سلوك مُعيّن قد يقول لك إن الأستاذ يقول كذا أو يفعل كذا، وكأنه يُقلّده في كل شيء، ومن الواجب على معلم هذه المرحلة أن يُكرّس لدى الطالب أهمية هذه النقاط:
1 - حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه بذلك يجلب له الأمن من الله جل وعلا.
2 - محبة شرع الله سبحانه وتعالى، لأنه لا نجاة للأمة بدون ذلك.
3 - محبة الوطن الذي يعيش فيه وربطه به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه الكفار من مكة إلى المدينة المنورة قال في فضل مكة فيما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عبدي بن حمراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقفاً على الحزورة فقال (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجتُ منك ما خرجت) قال الترمذي حسن غريب صحيح، وأخرج أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة (ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك) وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
4 - أن يُحبب للتلاميذ ولاة أمرهم، وأن يُبيّن لهم أنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، وأنهم بمثابة الأب وأن يذكرهم بخير أعمالهم، لأنهم إذا تربوا على ذلك أصبح الكل لُحمة واحدة لا تنفك تحت أي تأثير كان.
5 - أن يُحبب إلى التلاميذ هذا المجتمع الذي يعيش فيه، وأنه بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، ويغرس لديه معرفة لا تقبل النقاش، وهي أن المؤمنين إخوة وأنهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
6 - أن يُربيه على الفضائل من الأعمال والأقوال ويُبعده عن المعايب في الأقوال والأفعال، وأعتقد أن المؤسسة التعليمية التي تُنمّي في طلابها هذه النقاط المهمة أنها تضمن للمجتمع جزءاً كبيراً من الأمن، وقد يبقى هناك أناس يشذون عن ذلك، ولكن الشاذ لا حكم له.
- واحة الأمن الفكري: استثمار المدرسة لعقل الطالب: من خلال بثّ القيم الأخلاقية والاجتماعية بما يُؤثر على تصرفاتهم ويحميهم من الانحراف مستقبلاً، مع تضمين المنهج الدراسي النواحي الأمنية الوقائية!
hdla.m@hotmail.com - drmohamadalhdla@ تويترباحث في الشؤون الأمنيّة والقضايا الفكريّة ومكافحة الإرهاب