تحدث سبعة وأربعون مشاركاً من خمس وثلاثين دولة بجلسات المؤتمر الرابع للأوقاف الذي نظّمته الجامعة الإسلامية تحت عنوان (نحو إستراتيجية تكاملية للنهوض بالوقف الإسلامي). وكان التميز هو حضور المرأة ومشاركتها بصورة فعالة، مما أكسب المؤتمر أبعاداً واسعة ونكهة خاصة، حيث لم تشارك السيدات في مؤتمرات مماثلة أو مشابهة!
ولئن ارتبط الوقف بالنمطية المعتادة والصورة الذهنية السلبية؛ فإن المؤتمر الرابع ناقش عدة أبحاث ودراسات جادة للنهوض به، وطالب المشاركون بتحقيق إستراتيجية متوازنة ومتكاملة من خلال اعتماد مبدأ الشفافية والنزاهة والكفاءة كأسس ضرورية لتطوير الوقف، ونقله نوعياً من التقليدية إلى الحضارية بهدف الاستفادة المثلى منه. ولن يتسنى ذلك إلا بتغيير نمط العمل الحالي إلى أسلوب المؤسسات المالية والتجارية، وإجراء المزيد من الدراسات التطبيقية حول إمكانية إدارة واستثمار الأوقاف القائمة والناشئة من خلال تنشيط نظام عقود البناء والتشغيل.
كان المؤتمر شفافاً حينما طالب المشاركون الحكومات بتشديد الرقابة على الإدارات المسؤولة عن الأوقاف، من حيث استبدال أعيان الوقف، وتسهيل الاستيلاء عليها من الغير، وتغيير أو تجاهل شروط الواقفين بعيداً عن رقابة القضاء، داعين إلى تشكيل لجنة من المتخصصين في علوم الشريعة الإسلامية والمحاسبة، والمراجعة.
وكان جميلاً ما تطرقوا له بالمؤتمر بتوجيه المزيد من الاستثمارات الوقفية، لتنمية مصادر مياه الشرب في المنطقة العربية والدول الإسلامية، والمعرّضة لمخاطر نقص المياه. كما طالبوا بتنمية المسؤولية الاجتماعية لدى مؤسسات المال والأعمال والمشروعات الفردية بتخصيص جزء من أرباحها السنوية لإنشاء أوقاف خدمية جديدة لرعاية البيئة المحيطة بها، مع ضرورة إعفاء الأرباح المحددة لهذا الغرض من الضرائب أو الرسوم.
استطاع المؤتمر -حقاً- محو الصورة الذهنية السلبية عن الوقف من ذاكرتي، وأرجو أن لا يتوقف دوره عند ذلك بل يحسن بالجامعة تفعيل التوصيات بحثّ وسائل الإعلام المختلفة على تكثيف برامجها حول أهمية الوقف ودوره في النهضة الإسلامية الشاملة، ومسح الصور الذهنية السلبية التي يحملها أفراد المجتمع عنه ومعالجة أسبابها، وإشاعة ثقافته في المجتمع، وإحلال المضامين الشرعية والاجتماعية الصحيحة عن الوقف محل الانطباعات المألوفة عنه، والتشجيع على استثمار الأوقاف وتنمية أصولها وريعها.
من أبلغ التوصيات ضرورة إنشاء بنك وقفي تعاوني إسلامي يسهم بحلّ بعض القضايا الاجتماعية كالزواج والسكن، ويحقق التكافل بين الشعوب والأقليات الإسلامية المعرضة لمخاطر الحروب والاضطهاد الديني والكوارث الطبيعية، وهو هدف نبيل بلا شك حينما لامس احتياجات المجتمع ومتطلبات أفراده.
والحق أن الجامعة الإسلامية نجحت بانتقاء الموضوع وتحديد المحاور واختيار المشاركين، وكان المؤتمر برلمانيا حيث زادت أسئلة الحضور ومداخلاتهم الثرية من حيوية المؤتمر، عدا عن تمليحه بأبيات الشعر العربي الفصيح الموزون من بعض طلاب الجامعة غير الناطقين بالعربية مما يثبت أن الجامعة شمسٌ تشرق في كل القارات.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny