ليس بخافٍ أنه أضحى لمواقع التواصل الاجتماعي جاذبية وأخص “Twitter”، حيث أضحى أحد أشهر الملاذات التي يلجأ إليه المغردون للتنفيس عن همومهم، وبث شجونهم، والإخبار عن طموحاتهم، وعرض وجهات نظرهم، والتعبير عن آمالهم، أضحت هذه المواقع ملاذاً سهلاً ممكناً، لكل من هب ودب، للصغير والكبير، للمتعلم ولمن مازال في مقاعد الدراسة، إن مما دفع هؤلاء جميعاً إلى اللجوء إلى مواقع التواصل تعذر السبل النظامية، الحكومية أو المدنية، التي يمكن أن يتواصل من خلالها المواطن العربي للإبلاغ عن صور معاناته اليومية التي لم يعد يطيق تحملها أو الصبر عليها، وما يتطلع إليه من أحلام وآمال، وحقوق له واجبة مهدرة، حقوق متعارف عليها عند كل بني البشر، ولو بحدودها الدنيا، ومستوياتها المتواضعة، كما أضحت هذه المواقع منبراً للتعبير الحر الصريح الجريء، وبيئة خصبة لكنها غير منضبطة لتبادل الآراء وتشكيل الرأي العام، ومجالاً للتدافع نحو مواقف معينة، مما يشكل قوى ضغط يستحيل تجاهلها أو تجاوزها أو ترويضها، وبالتالي لابد من التنبه لدور هذه المواقع الذي بدت ملامح تأثيره في تغذية الكراهية والاحتقان والفرقة والتطاول والطعن والسب بألفاظ وعبارات تعكس مدى التوتر الذي يشعر به كل مغرد تجاه الآخر لكونه مخالفاً أو مختلفاً.
إن استمرار تدفق التغريدات المنفعلة، واستخدام العنف اللغوي في إبداء الرأي وتسجيل المواقف تجاه ما يعرض من أحداث أو آراء، سوف يفضي إلى مخاطر جمة، وبالتالي لابد من السعي إلى توجيه لغة التغريد إلى القول اللين الحسن وفق الآداب العامة للتحاور والتخاطب.
إن البنية المجتمعية معرضة إلى مزيد من صور التشظي والفرقة التي تمزق وحدته، وتفتح الأبواب مشرعة للمتربصين كي يذكوا مشاعر التناحر، والدفع إلى التحلق في دوائر ضيقة من الانتماءات الإثنية التي ترفض التفاهم والتحاور، أو التعايش والتوافق على المشتركات رغم أنها تمثل القاسم الأكبر مقارنة بما اختلف فيه أو عليه.
ومقتضيات التنبه والسعي توجب رصد ما يدور في هذه المواقع ليس من أجل المضايقة أو الحجب أو المحاسبة، بل من أجل استيعاب المضامين وفهم الأبعاد، وتحليل ما ترمي إليه المقولات من مقاصد وغايات، فقد ثبت أنه في البدء بالإمكان التعامل معها، والاستجابة لها والتجاوب مع متطلباتها، وثبت أيضاً أن التغافل عنها ومصادمتها يوسع دائرتها، ويجعلها تتحول إلى حمم متدفقة، وبراكين حارقة، يتطلب إطفاؤها المزيد من الجهد، والكثير من التضحيات التي لم يكن في الحسبان مجرد التفكير في طرحها فضلاً عن التحاور حولها أو التنازل لها.
لقد انفتحت شهية المغردين وبشراهة متزايدة بشكل يومي نحو التعبير عن الآراء، وتسجيل المواقف من الأحداث والأوضاع الداخلية والخارجية، وكثير من المغردين يغرد تحت عناوين معلومة، وأسماء حقيقة معروفة، والبعض منهم وهم القلة يغرد تحت عناوين مجهولة، أو أسماء رمزية متدثرة بعباءات مثيرة، ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن من يغرد تحت عنوان معروف، أو اسم صريح، يعد أكثر تأثيراً وقبولاً لدى المتابعين، وأنه يتسم بالمصداقية والموضوعية، وهو على العكس من ذاك المتخفي خلف ستار، الذي وقر في أذهان المتابعين أنه مجرد بوق يسعى إلى إثارة القلاقل والفتن، وإلى تأليب الرأي العام وحشده أملاً في إضعاف البنية المجتمعية وزعزعة استقرارها، ليس هذا فحسب، بل عرف المتابعون حقيقة هؤلاء المغردين، فهم في نظرهم مجرد خفافيش ظلام، وخناجر مسمومة تهدف إلى التشويه والإساءة، وبالتالي اقتصرت متابعتهم على مجرد التسلية أكثر من كونها متابعة تأثر وإيمان.
إن تعزيز الأمن الاجتماعي والفكري، يقتضي فهم التغريدات، وتحليل مضامينها، والتفاعل مع الصادق منها بالمزيد من الإصلاحات والمعالجات الفورية، وبهذا تسقط التغريدات المنفعلة، وتفقد الغاية المنشودة منها في إذكاء الفتنة والتشويه.
abalmoaili@gmail