في سنة 2011م كان هناك مجموعة من العلماء الأمريكان والفرنسيين يراقبون نجماً مضيئاً بمنظار التلسكوب. النجوم شيء بديع؛ لطالما تغنَّى بها الشعراء، وهام بها العامة، وعكف عليها علماء الفلك. وبينما هؤلاء العلماء يراقبون ذاك النجم، الذي يشبه شمسنا، ويمكن مشاهدته بالعين المجردة، إذ حصل شيء: أثناء مراقبتهم له إذا بأحد الكواكب يمر بينهم وبينه. هذا الكوكب - واسمه إي كانكري 55 - يدور حول ذلك النجم كما يدور كوكبنا حول الشمس، غير أنه بدلاً من أن يأخذ سنةً ليطوف حول شمسه مثلنا فإنه يجري بسرعة فائقة تجعل السنة هناك لا تزيد على 18 ساعة، وهي أقصر سنة معروفة الآن لأي كوكب.
لم يكن هذا فقط سبب استغراب العلماء من هذا الكوكب؛ فهناك شيء آخر جذب انتباههم بشدة، وسيجذب أيضاً انتباه عامة الناس: هذا الكوكب يحوي الكثير من الماس. ليس فقط بضعة كيلوجرامات مبعثرة هنا وهناك، وليس حتى أطنان متكدسة، بل ولا حتى جبال من الماس، وإنما ثُلث الكوكب كاملاً مكوَّن من الماس! والأدهش في هذا أنه كوكب أكبر من الأرض، حتى أن ثُلث الكوكب يعادل كتلة الأرض كاملة ثلاث مرات! إذا أردنا أن نحوّل هذه الصورة إلى أرقام؛ لنعرف بالضبط كمية الماس هناك فلتَعْلم أن وزن كوكب الأرض بالكيلوجرام يساوي 6 وبجانبها 24 صفراً ، أو (6 مليون مليون مليون مليون). يمكن أن يخترع البشر تقنيات تصل إلى كواكب بعيدة مثل كوكب الماس هذا، وهذا ليس مستحيلاً، خاصة أن الكوكب قريب نسبياً من كوكب الأرض؛ فيبعد عنا 41 سنة ضوئية أي 400 مليون مليون كيلومتر فقط! ونحتاج طبعاً تقنية للتعامل مع حرارة سطحه التي تصل إلى 1600 درجة مئوية. لكن، بافتراض أنك اجتزت هذه العقبات التقنية ووصلتَ إلى ذلك الكوكب لتحمل معك كل ما على الكوكب من ماس فإنك ستحتاج إلى عدد كبير من الحاويات؛ لأننا لو حوّلنا التشبيه الذي في الأعلى -أي كتلة الكوكب- إلى رقم فإن كمية الماس تعادل (18 مليون مليون مليون مليون كيلوجرام)!
من يريد الماس بشكلٍ أعجل من هذا ولا يريد أن ينتظر إلى اختراع تقنيات بالغة التطور مثل هذه فيمكنه أن ينتظر وقتاً أقل إلى أن نصنع مركبة توصلنا إلى الكواكب الأقرب من كوكب الماس أعلاه، مثل الكواكب التي في مجموعتنا الشمسية، وتحديداً هناك كوكبان لهما علاقة بهذا الموضوع، هما أورانوس ونبتون، اللذان ينتميان إلى مجموعتنا الشمسية نفسها، ومسافتهما أقرب بكثير جداً من كوكب الماس؛ فالأول يبعد 2.5 مليار كيلومتر والثاني 4.5 مليار. ومن العجائب التي اكتشفناها في العصر الحديث عن هذين الكوكبين أنهما غنيان بالماس، لدرجة أن هناك بحاراً كاملة من الماس السائل هناك! ولم أعرف أن الماس يمكن أن يسيل، ولكن هذا ما يُنبئنا به العلماء، بل تزدان هذه الصورة الجميلة أكثر، ذلك أنه توجد أجسام وصخور ضخمة من الماس الصلب تطفو في تلك البحار! والماس هناك يأتي من فوق أيضاً؛ ذلك أن الكوكبين يحويان غاز الميثان، وفي الضغط والحرارة العاليَين فإنه يتحول إلى ماس، وهذا يعني أن السماء تمطر ماساً في أورانوس ونبتون! مَن يرافقني إلى هناك؟
Twitter: @i_alammar