لم تكن تستوقفني كثيرا تفاصيل ما يجري في مجلس الشورى قبل دخولي فيه, إلا ما يمس منطقة اهتمامي بالتخطيط التنموي والتطوير المجتمعي. بعد أن ابتدأت الدورة السادسة للمجلس بأعضائه الجدد, وأنا ضمنهم، تكشف لي بأسى مدى التباس العلاقة المعرفية بين المجتمع العام، والإعلام، والمجلس المعين لتقديم المشورة لصانع القرار.
اكتشفت كم يجهل المواطن فاعلية المجلس!
رغم أن التلفزيون الرسمي يبث جلسات المجلس مباشرة ولاحقا, وأن الإعلام يحصل رسميا على بيان رسمي واضح بما سيتناوله المجلس بالبحث, وبما توصلت إليه الجلسات الأسبوعية من قرارات, وأن كثيرا من البرامج الحوارية في التلفزيون والصحف تدعو الأعضاء للحوار عبرها حول القضايا، إلا أن المجتمع العام يظل بعيدا عن إيجابية ما يفعله المجلس، ومتسمم المعرفة بالمعلومات المربوطة بمواقف مسبقة ينثرها مغرضون في ساحات التواصل التقليدي والإلكتروني. ويزيد الطين بلة ألا يتورع البعض عن صياغة تكهناتهم حول ما يدور في المجلس وكأنها حقائق مثبتة فتتحول ساحة الحوار المجتمعية إلى اتهامات تتصور أنها تعتمد على حقائق معرفية وهي في الحقيقة مبنية على تخيلات أو تهيؤات هشة.
خلال الفترة الماضية كنت أتابع الحوار العام عما دار أو يدور في المجلس: المواضيع التي نوقشت والقرارات التي اتخذت والتوصيات التي أقرت. وأتابع المقالات التي استلهمها كتابها من التغطية الإعلامية ليجدون ما يملأ مساحاتهم في الصحف والمدونات، والتعليقات التي تتولد منها, وأتابع أيضا ما يصلني من تعليقات الجمهور في شبكات التواصل الاجتماعي خاصة تويتر والفيسبوك.
ببساطة أستغرب مدى الالتباس بين ما يحدث فعلا, وما يتخيل الكاتب والقارئ والمعلق أنه حدث.
كما فاجأتني فعلا وبطبيعة الحال المواقف المفرطة العدائية التي تجاوز بعضهم فيها حدود الأدب في التعبير عن تقييمهم لأعضاء الشورى- متناسين أنهم نخبة اختيرت لتأهيلها وخبرتها, وليس لعلاقات شخصية تربطها بمن اختارها, ولا لإيديولوجية شخصية تجمعها ضد أي فئة من فئات المجتمع, فهم يأتون رجالا ونساء من كل شرائح المجتمع. ناهيك أن المتجاوزين لأدب الحوار -وهم لا يفضحون إلا جهلهم- يتجاهلون أن اختيار الأعضاء جاء مدققا فيه من أعلى مستوى لصنع القرار في الدولة.
ما استخلصته مما تابعت في التناولات, هو الخلط بين الموقف الشخصي لكل كاتب أو محرر أو معلق على قرارات الشورى, وبين الحكم على واقع وتفاصيل تعامل الأعضاء مع ما يناط بهم في المجلس. مثلا: كم من الهمز واللمز والنقد وجه للأعضاء الجدد بتهمة خدمة مصالحهم الخاصة قبل الاحتياجات العامة؟ بينما الواقع أن كل ما عرض في الجلسات، حتى كتابة هذا المقال, ما زال تقارير اللجان الشورية - حول تقارير أداء الأجهزة الرسمية وتوصياتها لعام 1431-1432هـ وقد أعدته اللجان الأسبق في الدورة الخامسة. ما يعني أنه -مثلاً- لم يبادر أحد من أعضاء الشورى الجدد بطلب جوازات دبلوماسية لأنفسهم, بل كان ذلك إحدى توصيات تقرير وزاري ضمن طلب منح ميزات مهنية لموظفي الدولة في السلك الدبلوماسي, ومن يشابههم في بعض مهامهم, ومن ضمنهم أعضاء مجلس الشورى.
واضح أن هناك فجوة معرفية في ما يتعلق بالمجلس وأعضائه, تضر بلا شك بمصلحة الأطراف المعنية كلها, وتؤثر في ثقة المجتمع بمن يفترض أنهم سيقومون بالتعبير عن احتياجات كل شرائحه وفئاته.
ولا بد لنا من ردم الفجوة المعرفية وتأسيس جسور رؤية صافية بين المجلس والمجتمع مبنية على تثقيف المجتمع بإجراءات العمل في المجلس, وما هي مهماته بالضبط.
وهذا ما سأحاول أن أفعله في الحوارات القادمة.