من الواجب والمفترض أن تكون الثقافة المرورية مادة من المواد التعليمية والتربوية لدينا،إذ إنه ثمة ما يمكن تسميته بـ(الأمية المرورية) التي تستحوذ على نسبة عالية من الأفراد في مجتمعنا، أن أساس هذا الجهل عدم الاهتمام الكافي ببناء شخصية مثقفة مرورياً!
فجميع الإحصاءات التي تكشف عن مخالفات السير التي تُرتكب والحوادث المرورية التي نتعرض لها، تؤكد على الجهل حتى لأبسط قواعد المرور وآدابه وصوره وأشكاله، أن إشكالية الأمية هذه تبدأ منذ الصغر، فبالرغم من أن التلميذ الذي يذهب إلى مدرسته يعبر طرقاً، ويركب باصاً أو سيارة، إلا أنه مع ذلك لا يدرك كيف يسير بشكل سليم، كي لا يعرّض نفسه لأخطار الطريق، فهو ليس على دراية بوسيلة النقل التي يرتكبها ولا كيف يجب أن يتعامل معها بصورة صحيحة، والكم الهائل من الحوادث التي يتعرض لها التلاميذ دليل دامغ على ذلك. إن غالبية الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع تشير إلى أن نسبة كبيرة من التلاميذ يذهبون إلى مدارسهم سيراً على الأقدام، وبعضهم يضطر إلى عبور الشوارع الرئيسية أو المزدحمة، وليس لديه القدر الكافي من المعلومات التي تساعده على تجنّب مخاطر السير، من هنا ندرك وجوب اتخاذ الإجراءات اللازمة والقيام بالخطوات الفاعلة لرفع مستوى السلامة عند التلاميذ والحد من الخطورة التي يتعرضون لها، إن الحديث عن منهج دراسي متكامل هدفه الارتقاء بـ(الثقافة المرورية) يجب أن لا يغفل، بل يفترض النظر إليه باعتباره جزءاً رئيسياً من أجزاء مناهج التعليم، يجب فرضه على التلاميذ منذ التحاقهم بالصفوف الأولى من التعليم، إن مرحلة الروضة والتمهيدي والابتدائي هي المرحلة الأولى التي يبدأ فيها الطفل التعود على ترك مسكنه، والتعامل مع متغيرات خلاف ما هو موجود في محيط بيته، وهو بذلك يتعامل مع الشارع والمركبة، ويتعرض لما بهما من مخاطر؛ ففي الشارع يتعرض لحركة المرور، ولا بد من التعرف على عناصر هذه الحركة، بما فيها من مركبات وإشارات وعلامات وممرات عبور المشاة، وفي المركبة لا بد وأن يعرف كيف يركب هذه المركبة وكيف يتصرف وهو بداخلها، من هنا أهمية الدعوة لإدخال مفاهيم السلامة المرورية للتعامل مع الطريق والمركبة في منهج هذه المرحلة التعليمية، التي من أهم سماتها سرعة تقبل التوجيهات التي يقدمها الأساتذة والمربون، باعتبارهم القدوة والمثل الأعلى لتلاميذ هذه المرحلة، ومن أهم المفاهيم التي يجب التركيز عليها بصورة مبسطة ومشوقة ما يلي:
- الإشارات الضوئية لعبور المشاة ومدلولاتها، بحيث يعرف التلميذ كيف يمشي على الطريق، ومتى يقف، ومتى وكيف يعبر الطريق؟
- معابر المشاة، وكيفية استخدامها بشكل صحيح.
- الرصيف، تعريفه، كيفية السير عليه، وفي حالة عدم وجوده، كيفية التصرف السليم! والتأكيد على التلاميذ بأن السير يجب أن يكون دائماً على جانب الطريق وبعكس اتجاه حركة السيارات والمركبات.
- النقطة السوداء، وهي المنطقة التي لا يستطيع أن يرى السائق فيها ما يقع على جانبي الطريق، فيجب على الطفل الابتعاد عنها، لذلك لا بد من شرح ماهيتها للتلاميذ.
- المسافة الآمنة للوقوف، من المعلوم أن سائق المركبة لا يستطيع الوقوف بمجرد رؤية الطفل في الطريق إذ يحتاج إلى مسافة قبل أن يتمكن من إيقاف المركبة، وعلى الطفل أن يدرك خطورة هذا الأمر للقيام بالتصرف السليم في مثل هذه الحالة.
- دور البيئة في سلامة المرور، وهي من المواضيع المهمة التي يجب أن يعرفها التلميذ بشكل مبسط في هذه المرحلة، لكي يدرك أن القيادة أثناء المطر مثلاً تقلل من كفاءة القيادة وتؤدي إلى حوادث مرورية.
- دور الرؤية في سلامة المرور، يجب أن يعلم الطفل أن كثيراً من السائقين لا يحسنون الرؤية، ويزداد الأمر سوءاً حينما يقل الضوء.
ومن المفاهيم المهمة التي يجب أن يعرفها تلميذ هذه المرحلة أيضاً، ما يتعلق بكيفية التعامل الصحيح مع السيارة أو الباص، وأماكن الانتظار، وعدم التزاحم عند الركوب أو النزول من الباص، وأن يكون الركوب من جهة الرصيف وليس من جهة حركة المركبات، وربط حزام المقعد بمجرد الركوب، وعدم تشتيت انتباه السائق، والنزول بانتظام والابتعاد تماماً عن النقطة العمياء.
وأما بالنسبة للمرحلة المتوسطة، فهي تتصف بأنها أصعب مراحل الطفولة، حيث تزداد رغبة الأطفال في الاعتماد على أنفسهم، وكذلك رغبتهم في التقليد والشعور بالاستقلالية، وقد تكون هذه المرحلة مرتعاً خصباً لنمو سلوكيات أقل ما يقال عنها أنها غير مقبولة! وهنا قد تكون مسؤولية المربين مضاعفة في إحداث نوع من التوازن بين الاستقلالية وتنميتها، وبين التوجه الصحيح،وهنا يكون من المناسب تعريف المراهق بأساليب القيادة السليمة وخطورة القيادة المتهورة، مع شرح موجز لأهم أسباب الحوادث، وكيفية تلافي حدوثها، مع تعريف موجز بالمركبة وديناميكية حركتها. ونهاية هذه المرحلة تتداخل مع بداية المرحلة التالية حيث يكون من المفترض أن المراهق قد بلغ الخامسة عشرة من العمر بنهاية هذه المرحلة وبرزت لديه الرغبة الجامحة لتعلم القيادة، فلنرسخ في نفوس المراهقين أن القيادة فن وأخلاق وذوق وقواعد وأصول ومبادئ أيضاً،إن المفاهيم المذكورة أعلاه لن تؤتي ثمارها إلا من خلال الإعداد الجيد لـ (المعلم) ويكون ذلك بطريقتين:
- الأولى: وتتم على المدى القصير، من خلال عقد دورات تدريبية منتظمة للمعلمين الذين سوف يعهد إليهم تدريس المفاهيم المرورية.
- الثانية: وتتم على المدى الطويل من خلال إدخال برامج تعليم سلامة المرور في المراكز التي تتولى إعداد المعلمين وتدريبهم.
من البديهي التسليم أن أي نشاط في مجال السلامة المرورية لن يحقق الغاية المرجوة منه ما لم يكن ضمن إطار خطة متكاملة ومتجانسة يسعى كل فريق (الأهل، المدرسة، رجل المرور، مشرعو النصوص المتعلقة بالمرور، وسائل الإعلام، المعنيون في هذا المجال....) للقيام بما يجب عليه القيام به على أكمل وجه.
وأخيرا.. إنني آمل أن نصل إلى اليوم الذي تصبح فيه (الثقافة المرورية) من المواد الأساسية في مناهجنا التعليمية والتربوية التي يعوّل عليها للنجاح والرسوب والتفوق.
ramadanalanezi@hotmail.comramadanjready @