في زاويته المميزة وفي مقاله المميز عن احتكار الأراضي وضرورة تدخل الدولة، كتب الكاتب المميز الأستاذ محمد عبداللطيف آل الشيخ عن هذه الظاهرة، وأعطى الحل داخل العنوان، ولاشك أن مثل هذا الموضوع المهم وهذا المقال يجب أن يكون نواة لعمل جاد في تقنين بقاء الأراضي بمساحات شاسعة وهائلة للشمس والهواء ودون استثمار قريب أو بعيد، ومن خلال مجال عملي أعلم الكثير عن الأراضي في كل أنحاء المملكة ومنها ما لها مدة تقارب الثلاثين والأربعين بل الخمسين سنة دون استثمار أو تحرك بمساحة قد تصل إلى مائة مليون !! ولاشك أن نهضة المملكة العقارية جعلت الكثيرين من الأغنياء يدركون تمام الإدراك أن لا شيء يضاعف رصيده مثل بقاء المال في أرض من الأراضي، خصوصاً أنه غير مجبر على البيع أو التسييل، وليس وراءه مطالب بزكاة أو غيرها، ولذلك (حكرها) على نفسه ومنع منها الناس والمستفيدين على وجه الضرر لمصلحة خاصة بحتة، ولاشك أن ذلك من أعظم الضرر، ليس على الأفراد فقط بل على المجتمع بأسره، ولو تم تطبيق القاعدة الفقهية والحديث الصحيح (لا ضرر ولا ضرار) والتي كانت مستنداً لعدد من القوانين والأنظمة لعدد من الدول العربية والتي تضم احتكار الأراضي إلى احتكار السلع، سواء بسواء، والقاعدة الفقهية والقانونية (الضرر يزال) مع حق الدولة بسلطة ولي الأمر وتحديد الضريبة أو الإلزام بالزكاة كمصلحة مرسلة، وقد قرر جمهور العلماء أنه لو احتكر إنسان شيئاً، واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره، أجبر على بيعه دفعاً للضرر عن الناس، وتعاوناً على حصول العيش [حاشية ابن عابدين (5-278)، مواهب الجليل (4-228)، نهاية المحتاج (3-456)، المغني (4/221)]. ولهذا قال العلامة ابن القيم في الطرق الحكمية (336): «منع غير واحد من العلماء القسامين الذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة: أن يشتركوا، فإنهم إذا اشتركوا والناس يحتاجون إليهم، أغلوا عليهم الأجرة»، ثم ذكر أن على والي الحسبة أن يمنع التجار من الاشتراك والتواطؤ على رفع السعر، قال: «وعلى والي الحسبة أن يعرف هذه الأمور ويراعيها ويراعي مصالح الناس». وقال: «فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعاً من السلع أو تبيعها: قد تواطؤوا على أن يهضموا ما يشترونه، فيشترونه بدون ثمن المثل، ويبيعون ما يبيعونه بأكثر من ثمن المثل، يقتسموا ما يشتركون فيه من الزيادة: كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} الآية، ولا ريب أن هذا أعظم إثماً وعدواناً من تلقي السلع وبيع الحاضر للبادي ومن النجش».اهـ.
وأعرف من حال بعض العقاريين الكبار -هداهم لله- اتفاقهم على منع البيع بأقل من السعر المتفق عليه بينهم (اللوبي) العقاري لا يكتفي بالاحتكار وتأخير البيع بل يتحكم بالسعر الذي يريده ولا يعنيه من قريب أو بعيد حاجة الناس أو مجتمعه، لكن لو أحس أن هذه الأرض يجب أن تتحرك بصفتها مالاً، والمال لا قيمة له ولا فائدة بدون تداول بين الناس، وهو قبل ذلك مال الله، يعطيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، ولذلك أؤيد ما طرحه الأستاذ محمد من ضرورة أخذ ضريبة أو زكاة أو غيرها أياً كان التكييف القانوني للمسمى، وذلك للمصلحة الضرورية لعموم الناس والشعب، ويكفي رجال الأعمال ما قدمته لهم الدولة من تسهيلات وقروض وحماية، وحان الوقت لئن يقوموا بمساعدتها على هذا الدور العظيم والحيوي، فالوطنية ليست تهنئة أو تعزية إنما تلمس حاجة إخوانه المواطنين، لأنه إذا تم القضاء على مشكلة السكن فقد قضينا على الفقر.
صالح الدبيبي - محامٍ ومستشار شرعي