تمثل نسبة الشباب في العالم العربي أكثرمن ثلثي السكان تقريباً.. وتتراوح هذه النسبة ما بين زيادة ونقصان تبعاً لعدد السكان الفعلي لكل دولة عربية، مما يعطي للشباب غالبية عظمى قياساً بأعداد الفئات العمرية الأخرى.. وبالنظر إلى هذه النسبة المرتفعة من أعداد الشباب نجد أن الغالبية منها محاصرة ومهدرة.. إما حملان شاردة أو طاقات عنف تنتظر اللحظة المواتية للانفجار.
لكنهم، وفي نهاية الأمر يظلون مشكلة وحل في آنٍ واحد.. فلماذا وكيف؟.
هذه الشريحة الواسعة التي تمثل قلب المجتمعات العربية.. حاضرها ومستقبلها لازالت بعيدة كل البعد عن أن تلقى ما تستحقه من اهتمام ودراسة وتحليل.. بعيدة عن أن يُستمع إلى صوتها أو يُلتفت إلى همومها وأشواقها ومشاكلها.. بعيدة عن المشاركة في تحمل ولو جزء بسيط من المسؤولية أو أن تكون طرفاً فاعلاً في حوارات متجددة على كافة المستويات لتمارس دورها الطبيعي في حركة النمو والتقدم العالمي والذي يُفترض أن تكون المجتمعات العربية جزءاً منه فلماذا؟ هل هو إقصاءٌ متعمد لهذه الشريحة من حكومات دولهم وغض الطرف عن إتاحة فرص المشاركة الفعالة والاحتكاك بالمتغيرات الواقعية داخلياً وخارجياً؟ أم هي عوامل طقس طبيعية اعتاد عليها المجتمع العربي؟.. وترجع إلى تصورٍ خاطئ تَشكَلَ في ذهنية المجتمع العربي، وهي أن جيلَ هذا العصر جيلٌ محدود الثقافة منصرف عن الاهتمام بالقضايا التي تخص وطنه، وأكثر إغراقاً وراء الإغراءات العاجلة ومفتوناً بالتقليد الأعمى.. يتصف بالسلبية واللامبالاة وعدم الاكتراث لذلك، فهم يرون أن يبقى تحت وطأة الوصاية.. خصوصاً إذا توفرت له فرصة عمل ولو براتب زهيد.. أو توفر له مقعد على مدرجات الجامعة.
وبديهيٌ جداً أن هذه ضروريات يعتبرها الشباب حقاً لهم على مجتمعاتهم، لكنها لا تعلل التجاهل الذي أوجد شرخاً واسعاً.. وهوة عميقة بين أجيالٍ شابة طموحة وأجيالٍ لازالت تمسك بالزمام وتدير الدفة في أوطانها، دون أن تمنح هذه الشريحة الوثابة فرصة التحرك والمشاركة.. وإبداء الرأي وممارسة التفكير المستقل والتعبير الحر الهادف والبناء، وبالتالي الإسهام في معالجة بعض من قضايا أوطانهم بكافة أشكالها وعلى اختلاف مستوياتها، ومنحهم الثقة بأن التغيير نحو الأفضل يكمن في قدرتهم على المشاركة بعيداً عن التبعية والتراتيبية القائمة على السن والأقدمية.
ولعل الثورات التي اجتاحت بعض الأوطان العربية فجرت شعوراً قوياً في جميع الأوساط السياسة والثقافية، بأن أجيال الشباب استعادت وعيها الغائب وبكل عفوية وتلقائية غير مدبرة.
صحوة شبابية تبحث عن مكانها في مؤسسات المجتمع المدني.. تطالب بالاندماج والمشاركة.. الإدارة والتفاعل في سوق العمل.. في مراكز الحوار الوطني والثقافي والسياسي.. في النوادي الأدبية والعلمية.. أجيال شبابية تتوق وتتشوق لإشباع احتياجاتها التي رُكِنت يوماً ما في زاوية الإهمال.
فإذا كان الشباب مشكلة.. فهم حل.. ومن يتابع المشهد العالمي خلال الثلاثة عقود الأخيرة يلحظ تطوراتٍ متسارعة في المجتمعات المتقدمة، احتل فيها الشباب مركز الصدارة في مختلف المجالات.. عالم المال والأعمال والسياسة.. المهارات التقنية ومجمل الإنجازات العلمية، بينما كانت ومازالت المجتمعات العربية في حالة من الجمود تحت وطأة أنظمتها المفلسة فكرياً وسياسياً وعلمياً.. تصمُ آذانها عن صوت الشباب.. ولا تنظر إليه إلا باعتباره مصدراً لمتاعب أو مجرد صندوقٍ يُخَزنُ به آمال المستقبل ويتناوبُ على حفظه جيلٌ بعد جيل، مما أفقد الأنظمة مصداقيتها عند الشباب.
لذلك لا بد أن تعي الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية بأن المرحلة التي انساقت فيها أعدادٌ كبيرة من الشباب وراء أفكار بعض السلفية والاتجاهات الدينية المحافظة آذنت بزوال في ظلِ بروز دعاة تفهمٍ ديني يتسمُ بالبساطة واليسر.. ولا تتعارض أفكاره مع مظاهر الرقي والتقدم إلى المواقع الأمامية أو تتصادم مع مطالب الأجيال الشبابية.
zakia-hj1@hotmail.comTwitter @2zakia