كتب الأخ الفاضل والأديب الأريب الأستاذ عبدالرحمن بن فيصل المعمر، مقالاً عن الوالد الشيخ عثمان بن عبدالعزيز التويجري -رحمه الله- في العدد 14778 من جريدة الجزيرة الغراء، الصارد يوم الجمعة 3 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 15 مارس 2013م، تحت عنوان (أعلام لم تكتب عنهم الأقلام)، ولم اطلع على هذا المقال إلا خلال زيارتي للرياض في الأسبوع الماضي، للمشاركة في الدورة الثامنة والعشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة.
ولقد أكبرت في الأستاذ الأديب الألمعي عبدالرحمن المعمر صدقه في الاعتراف بتأخره عن الكتابة عن الوالد -رحمه الله-، لأنه كان من أعز أصدقائه وأقربهم إلى نفسه، فقد كان الوالد -رحمه الله- شديد التعلق بمن يرى فيهم الصدق والشهامة وسلامة القلب، كما قدّرت له كل التقدير الكلمات الطيبة المفعمة بروح الوفاء التي سطر بها مقاله الذي استعرض فيه صفحات من سيرة الوالد -رحمه الله- ومواقفه وخصاله وبعضاً من ذكرياته معه.
ولقد أعادني هذا المقال الرائع إلى تلك الأيام الجميلة التي عشناها في مدينة الطائف ونحن في سن اليفاعة، وإلى ذكريات منزلنا القديم في حي الشرقية، ومنزلنا الآخر في وسط بستان بديع في حي القمرية، الذي كان يزور الوالد فيه أصدقاؤه ومحبوه من المفكرين والعلماء والمثقفين الذين ذكر الأستاذ المعمر بعضاً منهم، وأتذكر زيارة العلامة أبي الحسن الندوي الحسني ورفيقيه للوالد في ذلك المنزل، وإقامتهم معنا ثلاثة أيام كانت حافلة بجلسات العلم والذكر والكلم الطيب، كما أتذكر المجلس الصيفي الذي كان ينعقد بعد صلاة العصر كل يوم، والذي كان يحضر فيه نخبة كريمة من أصدقاء الوالد من أهل العلم والقلم وأصحاب الحاجات وطلاب المساعدة، حيث كان الوالد يبتهج بقدومهم ويجتهد في إكرامهم وتلبية حاجاتهم، وقد رافقته في بعض مساعيه الخيرة للتوسط لنفر من الكرام الذين جار عليهم الزمان عند بعض كبار المسؤولين في الدولة، ولا أنسى ذلك اليوم الذي رافقته فيه إلى قصر الأمير الكريم فيصل بن سعد بن عبدالرحمن -رحمه الله- في الطائف، ليشفع لشخص لجأ إليه وهو في حالة من الضيق واليأس، فتكللت مساعيه بالنجاح، وتحقق لذلك الشخص ما أراد من أمير شهم كانت له في قلب الوالد، رحمه الله، منزلة كبيرة ومحبة عظيمة.
وكثيرة هي المواقف النبيلة التي سارع الوالد، رحمه الله، فيها إلى بذل الجهد لنصرة المظلومين والشفاعة لأهل الحاجات، كما هي كثيرة المواقف المشرفة التي ثبت فيها مدافعاً عن قيم الإسلام وأخلاقه في وجه دعاة الانسلاخ من الهوية والتنكر للثوابت الدينية والحضارية، ويشهد على ذلك الكم الكبير من المقالات التي كتبها والرسائل التي بعثها إلى كبار المسؤولين من أهل الحكم والعلم، والتي لا يزال جزء كبير منها محفوظاً عند العائلة في الرياض، ولعل الوقت يسمح بتبويبها ونشرها في المستقبل القريب، بإذن الله تعالى، لأن فيها صوراً مشرقة من تاريخ هذا الوالد الشهم، ولمحات مضيئة من تاريخ مجتمعنا.
لقد كان الوالد -رحمه الله- مشغوفاً بالعلم وأهله وبالشعر ورهطه، الفصيح منه والنبطي، وله قصائد كثيرة، أشهرها ما كان تغنياً بالمجمعة مسقط رأسه ودار آبائه وأجداده، ومن ذلك قوله:
متى على الله نشوف طويق يا طامي
متى تدوج المواتر حول حطابه
هنّي من شاف خزّه ضلعها زامي
يلوح وسط السراب وتقنب ذيابه
ربيع قلبي وعيني وأبرك أيامي
شوف الوطن واهنّي اللي تمشّا به
ما أريد مصر ولبنان ولا الشام
حتّيش لو سافروا له خمّة اللابه
كما كانت همته رحمه الله، عالية ونفسه أبية، وكان يردد دائماً قول الطغرائي:
ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغاد والسفل
تقدمتني أناس كان شوطهم
وراء خطوي لو أمشي على مهل
وقول أبي الطيب المتنبي:
سبحان خالق نفسي كيف لذتها
فميا النفوس تراه غاية الألم
رحم الله الوالد الشيخ عثمان بن عبدالعزيز التويجري، الذي عاش حياته عصامياً مكافحاً وإنساناً مؤمناً، ربانا على قيم الإسلام السمحة وخصال العروبة النبيلة، وبذل جهده في فعل الخير وإكرام أهل الفضل ونجدة المحتاجين وإسعاف المهمومين والاحتفاء بالقاصدين له، وغفر ذنبه وأسكنه فسيح جناته.
وشكراً للأخ العزيز والأديب الأريب صاحب القلم الجميل الأستاذ عبدالرحمن بن فيصل المعمر، على وفائه الكريم وصادق محبته الفاضلة.
* المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «ايسيسكو»