كثيرا ما فكرت تأكيدا بما يفكر فيه الجميع، وأحسب هذا في مشكلات التزاحم، والتناكب الحديدي في الشوارع.., وعلى الطرقات الطويلة، وعند اختناقات الساعات الحرجة، في الصباح والناس تهرول لأماكن أعمالها، ودراستها، وباقي شؤونها.. وعند عودتهم لبيوتهم، ومن ثم عند طلب حاجاتهم..
ولعل سؤالا دائما مكررا ومكرورا على ألسنة الجميع ليس عن أسباب هذه الاختناقات لأنها معروفة، بل عن منطقية كثرة العربات التي تسير في آن واحد، بما يشير إلى ازدياد أعداد سكان العاصمة الرياض طرديا، وربما المدن الكبرى أيضا.., وعن مضاعفة هذا العدد، بعدد ما تملك الأسر من «سيارات»..؟
ولربما لفت نظر الجميع كيف انسابت الطرق فسيحة هادئة في الساعات المثيلة يوم أن تم تحويل المسارات إلى طرق جهات أخرى حين مناسبة وطنية، كانت فيها العاصمة صدرا يستقبل ضيوف العالم..
يومها شعر الجميع بالإحساس ذاته الذي يشعر به من يزور بيته ضيوف, فيهرع إلى ترتيبات أشد رغبة في راحتهم، وتوسيع المكان لهم..
غير أن الحقيقة للازدحام الحديدي تكمن في مضاعفة أفراد العائلة بالتابعين لخدمتهم، ومن ثم بمضاعفة عدد العربات التي تتنقل بها الأسر منفصلة عن أربابها، وهم الذبن بدورهم يملكون عرباتهم الخاصة، إلى جانب الأبناء الذين بمجرد طولهم الذي يبلغونه مناسبا للجلوس خلف المقود يمكنون من مفاتيح عرباتهم الخاصة إيذانا لرجولتهم كي تمارس حريتها في التنقل..! ثقافة واهنة ورخوة..
فأعداد العربات المضاعف لكل أسرة قبل أن ينفصل عنها أبناؤها، هو إذن السبب الرئيس الذي نذهب إليه لتبرير ازدحام الشوارع..
وعليه فإن هذا الأمر يتطلب تقنين عدد العربات لكل أسرة.. بشكل رسمي لا مجال فيه للحرية الشخصية!! ذلك لأن حرية الأفراد قد يمتد أثرها سالبا على المجتمع كله بمثل هذا..!
لكن سيقال أبدا, ليس هذا هو الحل، ففي ضوء التركيبة المجتمعية للأسرة عندنا ما يجعل هذا الحل غير منطقي... وربما يغضبهم، ويزيد من مهام الأب، وربما يُحله بسائق آخر, وهذا لا تسمح به أنظمة الاستقدام، بل ليس ناجحا في حل أزمة عدد المركبات لكل أسرة..!
إذن الحل في المواصلات العامة، وحتى يتحقق وجودها مرنة منسابة، قائمة ملموسة، مؤسسة لخدمة جميع الأحياء، والاتجاهات, فسوف يأخذ هذا الحل سنوات طويلة.., و..و..
إذن ليكن لهذا الاختناق، أن يبدد الوقت، ويزيد في تلوث البيئة، ويثقل كاهل الأسر.., ويربك حركة المرور..,
ولمعرفة أبعاده، فإنه يحتاج إلى إحصاء مماثل عند إجراء تعداد السكان، إلى حصر تعداد الحديد المتحرك الممتلك من العربات قوام كل أسرة.., للتعرف يقينا إلى نمط ثقافة المجتمع عن «السيارة الخاصة».., وتوابعها.., وتبعاتها الخاصة، والعامة..!! تلك الثقافة المغيَّبة في ضوء عدم وجود نظام مواصلات عامة..
إذ «السيارة الخاصة « بدءا فصلت بوجودها بين الرجل، وزوجه، وبين الأب، وأسرته, وبين الإخوة بعضهم ببعض.. وكما يسيرون في الطرق بمفردهم تباعدت هممهم, وهمومهم!!
كذلك كما غاصت في نسيج اللحمة الأسرية..، في علاقاتها، وضوابطها، فقد ولدت، وكبر وليدها وهو التأثير السالب في المجتمع.. طرقه ومناخه.. بل ميزانية الأسر..!
عربة من حديد، يا لهه كم لها مخالب، ومخالب..!!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855