ما زال هناك من يصدق أن بالإمكان تقييد مواقع التواصل الاجتماعي وربطها، مثلاً، بالسجل المدني لمتابعة ماذا يكتب الناس في تلك المواقع! هذه عقلية الرقابة التي تجاوزتها الحقبة الإعلامية التي يعيشها العالم أجمع، فأنت إما أن تكون جزءاً من عالم اليوم وتعيش مفرداته، أو تنكفئ على نفسك إلى أن تنقرض!
لقد انتبهنا متأخرين إلى أهمية «الرقابة الذاتية»، وكنا دائماً نعتقد أن بالإمكان مراقبة الناس وممارسة أسلوب الوصاية عليهم. ربما كان ذلك ممكناً في السابق لكنه لم يعد ممكناً الآن، فالفضاء الإعلامي تجاوز المحلية وصار برحابة الكرة الأرضية، وأصبح بوسع مراهق صغير أن «يفلت» من كل أساليب الرقابة التقليدية الصارمة.
في الدمام انتهت في الأسبوع الماضي جلسات اللقاء الذي نظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تحت عنوان «الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي»، فكان اللقاء - الذي غطاه الإعلام الجديد والإعلام القديم على حد سواء - مناسبة أخرى لسماع بعض الآراء التي ما زالت أسيرة العقلية التقليدية التي ترى أن بالإمكان تقييد مواقع الاتصال الاجتماعي! لحسن الحظ، لم تكن تلك الآراء هي آراء الأغلبية، لكن نبرتها كانت عالية!
صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمواد ونصوص سيئة للغاية، ولكن ليس كل هذا هو ما يُوجد في تلك المواقع.. والأهم من ذلك أن نعلم أنه ليس بالإمكان أبداً الحجر على الناس في زمننا الحالي إلا باختيار العزلة التامة، مثلما فعلت ألبانيا في أزمنة سابقة قبل زمن الإنترنت!
على الصعيد الشخصي، أجد في مواقع التواصل الاجتماعي الكثير جداً مما لا يعجبني، وأتمنى لو أن بالإمكان أن لا ينحدر بعض الناس إلى ذلك المستوى من الإسفاف والسوقية، مستغلين تلك المواقع للعبث بخصوصية الناس وخدش القيم والتهجم الظالم على الآخرين، وبأسماء مستعارة وهمية في معظم الأحيان.. لكنني أعتبر هذا الجانب المظلم هو جزء من الواقع، وعلينا أن نتعامل معه وخصوصاً عندما تكون التغريدات بأسماء صريحة يُمكن ملاحقتها بالوسائل القانونية.
أعتقد أن «الحوارات» حول هذه القضايا، من حيث المبدأ، مهم ومفيد.. وأتمنى أن نخرج منها دائماً بأفكار جديدة إبداعية تساعدنا في التعامل مع مستجدات الوسائل والأساليب التي يتخذها الإعلام الجديد في مخاطبة الرأي العام، بما في ذلك ترشيد استخدام هذه الوسائل وتكريس مبدأ الرقابة الذاتية بدلاً من خيار العزل الذي كان بإمكان الرقابة التقليدية فرضه على الناس سابقاً، وهو ما لم يعد ممكناً في الوقت الحاضر، فالتقنية الجديدة ألغت كل هذا ومنحت الناس ألف وسيلة للالتفاف على الرقيب!
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض