Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 14/04/2013 Issue 14808 14808 الأحد 04 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

برنامج الابتعاث الخارجي: رؤية ملك طموح لمستقبل وطن مشرق
د. هاشم بن أحمد الصمداني

رجوع

لاشك في أن بناء الحضارات والأمم ساهم في التقدم والنمو والحضارة. ولا أدل على ذلك من الحضارة التي بناها المسلمون بدءا من القرن الهجري الأول وحتى تداعي دولة الإسلام في الأندلس، حيث بني المسلمون نهضتهم وحضارتهم العريقة على ما ورثوه من علوم ومعارف إغريقية وفارسية اكتسبوها بعد حركة تواصل علمية كثيفة بينهم وبين اليونانيين والفارسيين رافقتها حركة ترجمة واسعة تبناها الخلفاء العباسيون ومن أتى بعدهم. وتعد الحضارة الغربية الحديثة مثالا آخر لأهمية التواصل والتكامل بين الحضارات الإنسانية حيث كان من عادة الأوروبيين إرسال أبنائهم إلى بلاد الأندلس المزدهرة للدراسة واكتساب العلوم والمعارف والفنون المختلفة ومن ثم العودة إلى أوروبا التي كانت تعيش سنواتها المظلمة.

إلا أن عصرنا الحديث لم يشهد مثالا للتقدم والنمو السريعين في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والتقنية كالذي حدث في اليابان حتى أضحت أحد أكبر الاقتصاديات العالمية في فترة قياسية. فعندما أطلق إمبراطور اليابان وملهم نهضته ميجي (Meiji) شعاره الطموح «اذهبوا إلى الغرب وتجاوزوه» بدأت الحكومات اليابانية بإرسال البعثات العلمية إلى الدول الأوروبية ومن ثم الأمريكية المتطورة، واستقدمت الأساتذة والمهندسين الأوروبيين - وتحديداً الفرنسيين والألمان - والأمريكيين، حيث تم العمل على تهيئة المؤسسات اليابانية التعليمية وتأهيل كوادرها الوطنية لقيادة التغيير المطلوب في البلاد وبناء اقتصاد وطني متين نهض باليابان من مراحل التخلف إلى مصاف الدول المتطورة ودول الصدارة الاقتصادية.

ومن خلال نظرة ثاقبة ورؤية حكيمة وقراءة صافية لكل هذا التاريخ أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفي الأشهر الأولى من توليه مقاليد الحكم بهذه البلاد مشروعاً تعليمياً رائداً وطموحاً هو «برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي». ومع اقتراب إعلان الترشيح للدفعة السابعة للبرنامج فإن لنا وقفة لنتأمل عبقرية الفكرة وريادة المشروع الذي تبناه قائد هذه البلد ونستشرف مستقبل مخرجاته خلال العقدين القادمين.

إن إدراك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأهمية الاستثمار في العنصر البشري الوطني المؤهل والمعد إعداداً صحيحاً باعتباره اللبنة الأولى لبناء المجتمع وتقدمه ورقيه جعلت التفكير في استحداث البرامج التطويرية لأبنائه الشباب من أولى أولوياته حفظه الله ورعاه. وتعد فكرة برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي نقلة نوعية رائدة في مستقبل التعليم العالي في المملكة العربية السعودية حيث يشكل هذا البرنامج رافداً مستقبلياً مهماً للقطاعين الحكومي والأهلي للتزود بكوادر بشرية معدة ومؤهله تأهيلاً عالياً سعياً وراء تحسين موقع هذه المؤسسات في سوق العمل الإقليمي والدولي. ويمكن للقارئ المنصف المتأمل أهداف هذا البرنامج استشراف تميز نتائجه المستقبلية من أربعة أبعاد.

حيث يتمثل البعد الأول في بناء البرنامج على الاحتياجات الفعلية لسوق العمل السعودي وإستراتيجية التنمية الاقتصادية والعلمية الشاملة للمملكة. حيث تشهد المملكة في هذا العصر الزاهر وبفضل انتعاش الاقتصاد الوطني توسعاً هائلاً في إنشاء المدن الاقتصادية والجامعات العلمية والبحثية المتخصصة. وقد عيب على البعثات التعليمية السعودية الأولى عدم التخطيط لنوعية التخصصات التي يبتعث من أجلها الطلاب بما يتوافق مع متطلبات التنمية المستقبلية في البلاد حيث كانت أغلب البعثات تتم لتخصصات نظرية وذلك لسد حاجات آنية للجامعات والمؤسسات الحكومية دون النظر إلى متطلبات وضرورات التنمية المستقبلية للمملكة التي تعتمد -بالإضافة إلى العلوم الإنسانية- على العلوم الطبيعية والطبية والهندسية والتقنية.

لذلك فقد قامت وزارة التعليم العالي وبالتعاون مع جهات حكومية أخرى ذات علاقة مثل وزارة العمل ووزارة المالية ووزارة التخطيط بتحديد التخصصات العلمية التي يطلبها سوق العمل السعودي في العقود القادمة واعتمدت في ذلك على معايير اليونسكو العالمية. وبناء عليه فقد تم حصر الابتعاث في الدفعات الأخيرة لمرحلة البكالوريوس على تخصصات الطب والعلوم الطبية والصحية بحيث يتم إعداد وتنمية القوى العاملة الصحية كماً ونوعاً، بما يحقق للقطاع الصحي جودة عالية وصولاً إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من القوى الصحية العاملة.

البعد الآخر للتميز في هذا البرنامج هو التنوع في اختيار الجامعات العالمية، حيث بدأت الوزارة في بداية البرنامج بالابتعاث إلى دولة واحدة فقط هي الولايات المتحدة الأمريكية لكنه وسرعان ما بدأ التنوع في هذه الجامعات ليشمل بلداناً عدة وجامعات عريقة من آسيا وأوروبا وبعض الدول العربية وذلك للأخذ من مصادر معرفية متعددة ومزج الخبرات الوطنية الشابة وإثرائها بثقافات وتجارب علمية وحضارية متنوعة. فعلى سبيل المثال فقد أنجزت الهند وسنغافورة وماليزيا إنجازات ضخمة وكبيرة في مجالات علمية هامة مثل الحاسب الآلي والهندسة وأصبحت من الدول الواعدة في هذه المجالات وذلك في زمن قياسي مقارنة بمثيلاتها من الدول العالمية.

وبالتالي فإن ابتعاث أبنائنا إلى مثل هذه الدول يمكن من الاستفادة مما وصلت إليه في مجالات الهندسة والحاسب الآلي وتقنية المعلومات. كما يمكن هذا التوجه أبناءنا من تشرب ثقافة العمل الطموح والسعي إلى التنافسية العالمية وهذه ثقافة لا يمكن للطالب اكتسابها داخل القاعة الدراسية وإنما بالممارسة والاحتكاك المباشر. إن التنوع في بلدان الابتعاث والذي حرصت عليه وزارة التعليم العالي في برنامج خادم الحرمين الشريفين هو أيضاً توجه يتماشى مع توجيه قيادتنا السياسي في الانفتاح على الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة حيث قام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله تعالى- بزيارات متعددة لكثير من دول العالم كان من ضمن أهدافها تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والتعليمية بين المملكة العربية السعودية وتلك الدول.

أما البعد الثالث للتميز في برنامج خادم الحرمين فهو أنه ركز في الدفعات الأخيرة على الابتعاث للدراسات العليا نظراً للحاجة الكبيرة لأعضاء هيئة تدريس في الجامعات السعودية والتي توسعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. حيث سيدعم البرنامج - وقد بدأنا في ذلك - الجامعات الحالية والجامعات المستقبلية بكوادر وطنية أكاديمية مؤهلة ومعدة إعداداً عالياً لتكمل مسيرة التعليم العالي وتسد الفجوة التي سيتركها المتقاعدون من الرواد الأوائل من الأكاديميين السعوديين الذين تلقوا تعليمهم العالي في السبعينيات وأوائل الثمانينيات الميلادية وقاموا بالتأسيس وبناء قاعدة صلبة للتعليم العالي في هذا البلد المعطاء.

ختاماً فإن البعد الرابع في تميز برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث هو بعد اجتماعي ثقافي. فالجميع يعلم أنه وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 استغل الحاقدون على هذه البلاد تلك الأحداث الإرهابية للنيل من المواطن السعودي ونعته بأوصاف لا يمكن أن يتصف بها شمولاً، من عدوانية وتطرف وإرهاب وكره للآخر، الأمر الذي حتم ضرورة التواصل الثقافي والاجتماعي بين أبناء المملكة وغيرهم من الشعوب الأوروبية والأمريكية وذلك لكي يعرف العالم مدى تسامح المواطن السعودي ووسطيته وحبه للسلام.

وليس هناك عمل أقوى ولا جهد أصدق من عمل الشباب السعوديين أنفسهم كسفراء لبلادهم ومجتمعهم في بلاد الابتعاث وذلك لتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة ونقل صورة إيجابية لثقافة المجتمع السعودي وفي المقابل فهم وتفهم طبيعة وثقافة الآخر مما سيساهم -إن شاء الله- في القضاء على ظاهرة التطرف والتشدد بين الشعوب الناجمة عن ضيق الأفق ورؤية العالم من منظار خاص وأوحد.

وختاماً فإن تميز برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي يدل دلالة واضحة على رؤية ثاقبة وبصيرة صافية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كما أنه دليل صادق على أن المواطن السعودي وشباب هذا الوطن هم في سلم أولويات قيادتنا الحكيمة التي لن تألوا جهداً في توفير جميع السبل من أجل رقي ورفاهية هذا الشعب الكريم.

- أستاذ طرق تدريس اللغة الإنجليزية المساعد قسم المناهج وطرق التدريس - كلية التربية

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة