ذات مرة حدثني «محمد برابيت أبو إحسيه « وهو بالمناسبة من أشهر «حناشل» قبيلة عنزة في الجاهلية الثانية، ومن أمضى الرجال بالسطو على خيل العدو ومن أكثرهم جرأة وظرافة أيضاً وهو ولا يعيبه ذلك من الفرسان السود والذين صنفوا لدى الرواة الأسبقين بأنهم من «أغربة العرب» ويقصدون بذلك عنترة العبسي والسليك بن السلكة «الداهية المهلكة» و «أفلح العبد» الذي كانت منيته على يد رفيق دربه الصعلوك الآخر مالك بن الريب، إذ كان مالك ينام تحت شجرة طلح في الصحراء فأحس ان ثمة شيئا يتخبط فوق بطنه فسل سيفه وضربه ضربة واحدة قدته إلى نصفين ولما أن أنبلج الفجر عرف مالك أنه قد قتل زميلاً لا يعوض في عالم الصعلكة والشجاعة فبكاه وحزن عليه ورثاه.
أقول، وعوداً إلى العم «أبي حسية» والذي قال شاعر من ذات القبيلة ممتدحاً إياه:
ياعيال ياللي راكبينن على لون
ملح يغطـس ألوانهن بالسوادي
عقيدكم «محمد برابيت» مبخون
أبو أحسيه ان طق رأس الشدادي
العصر من رأس الدفينه تنطون
حيث الحبيب نازح بالحمادي
من عقبها لاشك يالغوش تلقون
على هلا وأيضــاً مبهر وزادي
وقولوا وقولوا بس لازم تقولون
يازرع قلبي يابس للحصادي
أقول وثانية عوداً إلى «برابيت» إذ حدثني فقال: ذات عام في الأربعينيات الميلادية مرض أخ لي وقيل انه لا علاج له إلا في «باروت» أي بيروت، حسب لهجة العم، ولم أكن حينها أملك إلا حصاناً أدهم من سلالة «عبيان» وكنت حينها قد عسفته ودربته جيداً حتى غدا يسابق الريح، ولكن الظروف لها أحكام لذا بعثته إلى «خواجة « من لبنان وبعد ذلك بشهرين أو أكثر حملت أخي على بعير وأوصلته إلى «باروت» وأدخلته إلى مستشفى رخيص، وهكذا كنت ألازم غرفته وأدفع المصاريف الكثيرة وذات ليلة عندما نام أخي تسللت إلى مقهى على الشارع وغدوت أتأمل العابرين، آنذاك تقدم لي رجل «مطربش» أي يرتدي طربوشاً فقال لي: أيها البدوي من أين أنت؟.
فقلت له: (عنزي). فقال لي ما دمت عنزياً فلماذا لا تذهب إلى «مضافة» أهلك؟. فقلت له لا أهل لي هنا. فأمسكني من يدي وقادني إلى مضافة كبيرة، وقال لي هنا أهلك.. بيت «أسلام» العائلة اللبنانية الشهيرة التي ينتمي لها السياسي اللامع الراحل صائب سلام، والد رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة.. ونكمل لاحقاً.