أعلنت البرازيل عام 2012م عن برنامج رائع لإصلاح السجناء، وذلك عبر العِلم والمعرفة، وفكرة البرنامج أن السجين يستطيع أن يُقلّل من الفترة التي حُكِمَ عليه أن يقضيها مسجوناً، والطريقة أن يختار كتاباً، ويقرأه باهتمام، ثم يكتب تقريراً وافياً سليماً عنه، بعدها يُخفِّض المسؤولون العقوبة بمقدار 4 أيام لكل كتاب. هذه الفكرة الرائعة تزيد في عِلم الشعب - عموماً - ورُقيِّه، ورغم أن البرنامج مخصّص لنوعية معيّنة من السجناء إلا أن الحكومة ستعمّمه حتى يشمل المجرمين الخطرين، وأحد الأمور الحسنة في هذا الموضوع أن الكثير من السجناء في البرازيل - وحول العالم عموماً - أمّيّون، وهذا المشروع الحضاري أخذ يحثّ المساجين على تعلّم القراءة والكتابة ويدفعهم للاطّلاع والتلخيص وإعداد تقارير الكتب.
هذه من محاسن الأفكار التي تدفع المجتمعات نحو الرقيّ والتقدّم، وطريقة تعامل الدول مع مساجينها من معايير الحُكم هذه الدولة، وقد قال الأديب الروسي المعروف فيدور دوستويفسكي في القرن التاسع عشر: «إنّنا نستطيع معرفة مدى حضارة الدُول بمجرد أن نتأمل سجونها ومساجينها». قال الأديب الكبير هذا الكلام في كتابه «دار الأموات» الذي ظهر عام 1882م بعد عدة عقود من إطلاقه من سجنه في سيبيريا، وكان قد سُجِن ظلماً. في نفس الكتاب عبارة أخرى يقول فيها: «إن مساجيننا كانوا قادرين أن يحبوا الحيوانات، ولو أتيحت لهم الفرصة لَربّوا الكثير من الطيور والحيوانات الأليفة في زنزاناتهم، ولا أعلم فعالية أخرى لها نفس التأثير على السجين من حيث ترقيق طباعهم المتوحشة وتهذيب نفوسهم الفظة، لا أدري لماذا لم يُطبَّق هذا لدينا».
ولو كان الكاتب الشهير حياً اليوم لأعجبه ما صنعه المسؤولون في سجن ولاية إنديانا في الولايات المتحدة، فالجريمة داءٌ شائع هناك، والكثير من المجرمين يعودون للسجن بعد الإفراج عنهم وذلك لأنهم لا يعرفون حياةً غير الإجرام، ففكَّر المسؤولون عن وسيلة لإصلاح السجناء، واستقر رأيهم على حل هو نفسه ما اقترحه دوستويفسكي، ففي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بدأ مسؤولو السجن مشروعاً لتهذيب طباع السجناء وذلك بأن يسمحوا لهم أن يربّوا القطط في سجونهم! فكرة جنونية لأول وهلة، فأول ما يفكر فيه المرء: وهل لهؤلاء المساجين المتوحشين من أمان؟ إلا أن البرنامج طُبِّق رغم غرابته، ووضعوا القطط البريئة مع عتاة الإجرام، فهذا السجن العتيد العريق أُنشِئ عام 1860م وأكثر من 70% من نزلائه قَتَلة، فماذا كانت النتيجة يا ترى؟ هل انقض هؤلاء الوحوش - والذين يُعاني كثيرٌ منهم أمراضاً عقلية - على القطط وعذّبوها ومزّقوها تمزيقاً؟ لا. كانت النتيجة نجاحاً فائقاً. السجين الذي يُعاني وِحدة خانقة صار لديه الآن شريكٌ لطيف في زنزانته، وعكس المساجين الآخرين فهذا الشريك لا يهدد ولا يؤذي ولا يقتل شريكه، وبدأ السجناء يُغدقون الحب والحنان على هذه الكائنات الصغيرة التي أتت من حياة شاقة في الشوارع، فاستفاد كلاهما من بعضهما، ودُهِش المسؤولون لمّا رأوا أعتى المجرمين يدلّلون قططهم ويضمونها وينظفونها ويصنعون لها بيوتاً بأيديهم، بدأوا يتخلون عن الغضب والكراهية والحقد ويتعلمون العناية والرعاية والعطف، حتى إن تكاليف العناية بالقط من طعام ودواء يدفعها السجين بنفسه بسعادة، وذلك بأن يعمل في السجن مقابل بعض المال!
رغم أن البرازيل من دول العالم الثالث، وأمريكا من العالم الأول إلا أنهما اشتركا في تحضُّرهما في مثل هذه البرامج الرائدة النافعة التي تركّز على الإصلاح وليس على العقوبة.
Twitter: @i_alammar