من دأبي كلما ازدحمت عليّ المتاعب، وركبتني الهموم، وضاق صدري، وانقبض قلبي، أن أمشي حتى أجد مسجداً خالياً، فأدخله فأصلي ركعتين، وأقعد، أشعر بسكون المسجد من حولي، وبجلال الحق من فوقي، حتى أجد الطمأنينة والرضا، كأني نجوت من البحر الهائج إلى الجزيرة الآمنة، وتركت الصحراء المحرقة إلى الواحة الظليلة، وكأن ما كنت فيه من المشكلات، وما كان في صدري من الهموم، قد ذهب كله، لما دخلت حمى الله وصرت في بيته واعتصمت به من الناس وشرورهم، ومن نفسي وسوئها، ومن الشيطان ووسواسه.
وإذا كان العرف الدولي على أن بيوت سفراء الدول الأجنبية قِطَع من بلادهم ولو كانت في بلاد الناس، فإن بيوت الله رياض من رياض الجنة، وإن كانت في هذه الدنيا، فمن دخلها كان ضيف الله، وكان جاره. فهي أبواب السماء المفتحة دائماً إن سُدّت في وجه البائسين اليائسين أبواب الأرض، وهي منار الهدى إن ضل بالسالكين الطريق.
علي الطنطاوي -رحمه الله-