** مثلت “اللجنة العليا للإصلاح الإداري” قيمةً إداريةً مضافةً للعمل الحكومي طيلة أكثرَ من أربعة عقود ثم استبدلت بها لجنة موازيةٌ في المستوى تركز على “التنظيم الإداري” اعتنت بإعادة هيكلة الأجهزة الرسمية وصدرت عنها قراراتٌ مفصلية.
** البحث هنا لا يطال المسمى بل الاسم؛ فالإصلاحُ مطلبٌ قياديٌ وشعبيٌ، وليت اللجنة احتفظت باسمها مع الإضافة لمهامها ضمن جهود التطوير والتطهير في زمن العلنية التي صار فيها المسؤولُ مساءَلًا والمخبوءُ مكشوفًا والحقائقُ متموجةً يرتقي فوقها الأعلى صوتا.
** عودةُ الاسم حفظٌ لتأريخٍ مهمٍ وتأكيد للغةٍ مهنية اختطتها اللجنة في مساراتها “التنظيمية والإجرائية” ليسود مفهومُ الإصلاح دون أن تتبدل عناوينُه ولتستمر مداراتُه هادئةً تصنع التغييرَ دون ضجيجٍ إعلامي أو ضغطٍ مجتمعيٍ قد يُضخم المشكلة ويستعجل الحل.
** تجاوزنا ذلك الزمن الهانئَ الذي ساد فيه الإغلاق، وبلغنا زمنًا باتت فيه مفردة “سري جدًا” دون معنى، وتنافست الصِّحافةُ الإلكترونية والوسائطُ العامة على النفاذ عبر ثقوب الأبواب بالرغم من الحُجَّاب.
** لا معنى لمقارنةٍ أو مفاضلةٍ غير تأثير ذلك على الجيل الجديد المفجوع بإحباطاتٍ تئد تطلعَه، وفيهم من يصنع الخبر، ومعظمهم يعايشونه عبر شاشات أجهزتهم التي أضحت كتبَهم ومكاتباتِهم ترافقهم في الصحو والمنام والسهر والسفر.
** بذا يتَخلَّقُ تهويل حكاياتٍ بعضُها فرديٌ فيتكون جيلٌ قوي في ظاهره خائرٌ في داخله متأزمٌ في مواقفه ومواقعه يتعامل مع بني أبيه بتشفٍ حينًا وبيأسٍ حينًا وبتفكيرٍ عبثي حول البدائل المتاحة للهروب من القلق والأرق والتشوهات، وفيهم من تراوده الهجرة ومن يتملكه الاكتئاب، وربما احتوته مجموعةٌ متطرفة أو شارعٌ عابث يحدوانه نحو التمرد.
** عمت الطاقة السالبةُ نفوس الأجيال فانعكست على مسلكهم الشخصي، وصارت مفردة “الفساد” المقابلة للإصلاح تهمةً جاهزةً يصمُ بها من شاء ما شاء، وتبادل الشباب عدوى الخوف، وأيقنوا أن من يضيئُ لهم مسرب ضوءٍ يوهمُهم بالأحلام ، وتكاثر مجتزئو مفرداتٍ معزولةٍ يُسوقون بها لأنفسهم معتمرين الوطنية دون أن يعني ذلك براءَتهم أو براعَتهم.
** تحول مصطلح الفساد لكثرة تكراره إلى معنىً مفرغٍ من دلالاته، وفي حين بُدل اسمُ الإصلاح لِما تأوله المعنيون حينها من إشارته لفساد غير موجود كما وهموا ذاتَ إيصاد فقد انقلبت الصورةُ الإعلامية ليصبح الفسادُ أصلا.
** نعود إلى الجيل الناشئ؛ فحجمُ التحدياتِ التي تواجههم والأمراضُ النفسية التي تستوطنهم ردُّ فعلٍ على ما يتخيلونه من أفقٍ مسدود يرسمه أمامهم بعضُ من يوصفون بالخبراء الذين يُطفئون الشمس.
** يحتاج النشءُ إلى طاقات إيجابيةٍ تملأُهم حبًا في الحياة وأملًا بالغد؛ فمن يبتسم يصافح ومن يعبس يصارع، ومن يتأمل واقع الشباب يدرك أنهم يعيشون تيهًا لم يعبر به آباؤهم، وكأنها معادلةٌ عكسية تربط الترفَ بالتيه والشظفَ بالاستقرار كما ربطت الهدوءَ بالإغلاق والضجيجَ بالاندلاق.
** تداعياتٌ كونتها لقطةٌ عابرةٌ في مناسبةٍ قريبةٍ أوحت ظلالُها وتعليقاتُها أننا في واديين وجبهتين ونتحدث لغتين دون مترجمٍ يصلُ الكلمات المتقاطعة.
** الكسوفُ يلدُ شمسا.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon