- رسائل نبوية، ضاربة في أعماق التاريخ، دلالاتها ومغزاها وأبعادها لا تقل عظمة عن مكونات هذه اللفظة (عظيم).
- دائما وأبداً يفترض أن نحلل بتبحر أبعاد أقوال وأفعال وسائر سلوك نبي هذه الأمة (محمد صلى الله عليه وسلم)، ولنضع مساحة للاختلاف والاجتهاد في التفسير، ومثلها من المساحات يجب أن نعترف بضعف البشر في تفسيرها، أو تأويلها، أو الحكمة منها.
- رسالتان عظيمتان، هما موضوع المقال:
- الأولى: من (النبي) المعجزة الكبرى (محمد) جاء فيها (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام. اسلم تسلم. وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين....)
- الثانية: من (أمير المؤمنين (هارون الرشيد) إلى (نقفور) كلب الروم، قد قرأت كتابك يا بن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام....)
- بلا شك، لكل رسالة ظروفها السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، وعلماء الدين هم في الأغلب من يسترسلون أحيانا في أسباب مثل هذا التباين في مضمون تلك الرسائل ولغتها، ويتكئون كذلك على الظروف المحيطة بتاريخ وفترة إنشائها، فالسنوات الأولى، أو العقود الثلاثة الأولى من فجر الدعوة لا تقارن بالقرون التي تلتها، من حيث انتشار الإسلام والقوة السياسية والانفتاح الذي هيأ للانطلاق. من كل هذا وذلك يستجلي المنصفون مواقف عظمة هذه النفس الزكية. عظمتها في الرؤية السياسية الثاقبة المتزنة. العظمة في بث الأمل في النفس الإنسانية حين يتسلل إليها اليأس، أو يدب الخوف في جنباتها. عظيم في قدرته على تأليف ما تنافر من القلوب. لم ينتقم قط لنفسه، لا يصادر آراء الآخرين.
كل تلك الشمائل جعلت من تاريخ البشر قبل ولادته وبعثته شيء، وبعدها شيء آخر، قد يستعصي على الإنسان الدقة في قياس الأثر الكبير، والتحول العظيم جراء ذلك، فتعاقب القرون، واختلاف الموازين طمس أمام الإنسان بعض تلك الومضات المشرقة في السير.
- في جناح (الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين) بالجنادرية تستوقف الزائر رسائل النبي (صلى الله عليه وسلم). لم يكن في الحقيقة وجود هذه الرسائل فحسب، إذ هي منتشرة في كل مكان، بل اللافت وجود بعض المتنورين من مشرفي هذا الجناح الذين استطاعوا أن يوظفوا الحدث والرسائل في إيصال لغة التسامح، لغة التقدير، اللغة السياسية البارعة، البعد الاجتماعي المؤثر الذي سلكه (المصطفى) وصحابته الأخيار مع أعداء الدعوة وخصومها.
- استطاعت فئة قليلة من المخلصين بعث رسالة مضمونها أن العظيم كمحمد لا ينتقص العظماء، أيّاً كان منتماهم (لكم دينكم ولي دين)، بذلك الأسلوب الراقي ساد الإسلام، وارتفعت رايته، وقويت شوكة اتباعه، لأن الملهمين عظماء، والقادة عظماء، والعلماء عظماء، والأنصار عظماء. والأغنياء عظماء، والفقراء عظماء، ومن حقك أن تبحث من أين استمدوا ذلك؟
- اليوم، نتساءل، أين نحن من هذه اللغة، قوة، أو ضعفا؟ أين نحن من هذا النهج الدعوي الفريد:
وكم يأسر الألباب جرس عبارة
وكم يبدأ الهجران بالكلمات
في عصرنا الحاضر، ربما يكون هذا الاستدعاء دعوة للساسة في توظيف أيّ اللغتين شاء في قواميس الرسائل، دون مكابرة، أو خوف، أو وجل. وظفوها بصدق وإخلاص، ولنكن على يقين بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
(من الشوقيات)
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
منها وما يتعشّق الكبراءُ
فإذا أخذت العهد أو أعطيته
فجميع عهدك ذمةٌ ووفاءُ
وإذا عفوتَ فقادرا ومقدرا
لا يستهين بعفوك الجهلاءُ
dr_alawees@hotmail.com