في كل عام كنت مشاركا أو راصدا إعلاميا في المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي أحرص على جولات معالي الوزير د. خالد العنقري على المعارض وحواراته الجانبية مع مديري الجامعات والعارضين ومن خلال الحوارات يمكن قراءة الحدث.
هذا العام توقعت أن يأتي الوزير بطروحات مختلفة تناسب شهية الإعلام لكن يبدو أن هناك ثوابت لا يحيد عنها الوزير هي المحاور الثلاث: الطالب، المنشآت، الجودة.
أولاً: الطالب: استيعاب القبول والتوسع في التخصصات المهنية التي تناسب متطلبات سوق العمل.
ثانياً: المنشآت - المشروعات-: أن تنقل الصور الواقعية للمدن الجامعية وما تم إنجازه بدلا من الصور الفوتوغرافية والمجسمات الافتراضية والتخيلية.
ثالثاً: الجودة: أن لا تهمل الجودة الأكاديمية في الجامعات وسط الانشغال في المباني والمشروعات وضغوط القبول.
وبعيدا عن الثابت والمتحول هذا العام فإن المتغير هو مشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي بعد أن دخل مرحلته الثالثة وقدم لنا أكثر من (47) ألف مبتعث ومبتعثة من المتخرجين, وهو ما أكده المعرض بمشاركة الجامعات العالمية العريقة علميا وذات الشهرة الدولية ليتحول مشروع الملك عبدالله للابتعاث من مشروع يهدف إلى تنويع التعليم والمناهل العلمية, والانفتاح الثقافي على الآخر, وحل مشكلة استيعاب القبول, إلى مشروع مستقل بذاته له أجندته وخصائصه كونه محركا للتنافسية مع جامعات الداخل, ومحرضا للدافعية لدى الأسرة السعودية في كسر النمطية في التعليم والدفع بأبنائها وبناتها إلى الجامعات العالمية، فبعد أن كان مشروع الملك عبدالله مساندا وحلا ومخرجا لأزمة القبول أصبح الآن مشروعا تنمويا تعليميا مستقلا بذاته له خصائصه و أهدافه.
جولة الوزير على المعارض وحواراته مع العارضين السعوديين والأجانب والملحقيات تؤكد على الخطة (غير متداولة) لمشروع التعليم العالي في المملكة الذي يقوم على محاور جديدة كانت ولادتها مع متغيرات بدأت منذ عام 1425هـ/ 2006م عند الشروع في مشروع الملك عبدالله، والمدن الجامعية، وافتتاح جامعات المناطق والناشئة لتشكل ثلاث محاور: الابتعاث، والمدن الجامعية، والجامعات الجديدة. تغير ليس في خطط وزارة التعليم بل في خطط الدولة الشاملة بدأت بالوظائف لأعضاء هيئة التدريس, والتنمية العمرانية والحضارية, والثقافة العلمية, رافقه تغير اجتماعي, وإعادة توزيع السكان, وبالتالي إعادة توزيع الميزانية والمشاريع على المناطق.
إذن هناك تغيرات سكانية وحضارية وروح جديدة وهذا يتطلب إعادة النظر في الخطط فالمحافظات التي كانت رقما (هامشا) في المشروعات, والمناطق التي لم تكن في صفوف مناطق الحظوة والنخب الأولى أصبحت رقما صحيحا في معادلات الوظائف, وتوزيع المشاريع وتوزيع الميزانية.
والمدن التي كانت في الأرقام الخلفية من حيث الكثافة السكانية أصبحت مناطق جذب بسبب الجامعات.
أما من حيث الجودة فكنا لا نملك إلا جامعة واحدة يتيمة اتصفت في الجودة, وجامعات أخرى مساندة أو متخصصة, أصبحت جامعات العالم ذات القيمة العلمية والخبرات مفتوحة أمام طلابنا مما فرض الجودة في التعليم الجامعي بالداخل ووسع الخيارات أمام أبنائنا الطلاب.
إذن (كل شيء تغير) ود. العنقري والفريق الذي يعمل في الداخل والخارج يدركون هذه الحقيقة لكن لا أحد يتحدث، وكذلك الراصد العلمي والاجتماعي والإداري يرصد هذه التحولات والتغيرات التي تتم بسرعة أيضا هو لا يتكلم, تحت غطاء الخوف من الضجيج الإعلامي. لا أحد من الراصدين يتحدث عن التحولات السعودية القادمة والتي ندعو الله أن تأتي بالخير الكثير لبلادنا.