لم يرد في القرآن الكريم أي دليل على وجوب «المحرم» للمرأة. بينما أتى في السنة الشريفة توصيف لضرورة وجود المحرم مع المرأة في السفر-فقط- وهذه الأدلة كلها حددت وجود المحرم في سفر طويل منها ما ذكر، مسيرة يوم وليلة، ومنها ما ذكر ثلاثة أيام بلياليهن. وهذا التوصيف له مؤشرات واضحة بعدم وجود نهي صريح من النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما تفضيل مشروط، ويحكي عن زمن الجمال والبغال وصعود البراري، وهذا كله انتفى في وقتنا الحاضر.
ما أوردته هو لتوضيح صورة المحرم كما جاءت في الدين الإسلامي، بينما ما جاء في زماننا هذا هو أكبر من أن يقبله -العدل- الذي قام عليه هذا الدين. فكيف تشترط وزارة التربية والتعليم على النساء الراغبات بفتح حضانات للأطفال بموافقة المحرم؟ أي شرط هذا يقبله العقل والمنطق، وعلى ماذا استندت الوزارة في هذا الشرط، والذي يُمثل شكلًا واضحًا للغلو في الدين، بل والتشجيع عليه، في حين أن منهج هذا البلد هو المنهج الوسطي، الذي ينبذ الغلو كما فعل رسولنا الكريم مع الثلاثة الذي قال أولهم: أنا أصلي الليل أبدا، وقال الثاني: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فما كان منه عليه السلام إلا أن رد عليهم بأنه يصلي ويرقد، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، وقالها صريحة: (فمن رغب عن سنتي فليس مني). هذا بالضبط ما تقوم به وزارة التربية والتعليم في مثل هذه القرارات الجائرة ضد المرأة، إنها تُمارس الغلو فيما لم يأتِ به دين ولا ذكر، فلم نعلم في عهد الرسول ولا في عهد أصحابه أن النساء اللاتي كن يعملنّ في شتى مناحي الحياة كان يُشترط عليهن موافقة محارمهن، ولم يرد أن النساء اللاتي كنّ يخرجن مع الجيوش لتطبيب الجرحى كنّ يأتين بموافقة خطية من أولياء أمورهنّ!
إن لوزارة التربية والتعليم تاريخ طويل مع منابت التشدد والغلو، واستبشرنا بهذا الزمن الإصلاحي خيرًا وبوجود وزيرة هي الأستاذة نورة الفايز في نفس القطاع، بالمناسبة، هل الوزيرة عندما تم تعيينها أتت بموافقة خطية من ولي أمرها على أن تكون وزيرة؟
إن بعض القرارات والأنظمة لا تحتاج إلى أكثر من السخرية، فبدلًا من تشجيع النساء على فتح حضانات للأطفال بدلًا من رميم في أحضان الخادمات، فإن الوزارة تشترط على المرأة لأنها كما تراها «قاصرًا» أن يوافق ولي أمرها! فبدل من تشجيع النساء على هذا الفعل الذي أخفقت فيه الوزارة، والتي كان عليها أن تقوم بفتح مدارس رياض الأطفال وجعله إلزاميًا، في الوقت الذي تتكلف فيه الأسرة آلاف الريالات على روضات المدارس الخاصة، فإنها تضع شروطًا وكأنها تمُن على المرأة بمنحها الترخيص!
كنت آمل من وزارة التربية والتعليم بدلًا من وضع شروط تنتقص من المرأة، أن تفتح الأبواب لتشجيع النساء على فتح حضانات، بل وتمنحهن معونات مادية ومعنوية لتشجيع هذه المشاريع التي سيستفيد منها كل بيت وكل طفل، بدلًا من عرقلة النساء واشتراط موافقة المحرم، مما يعني أن المرأة التي ليس لها محرم «محرومة» من هذا الترخيص!
www.salmogren.net