بدعوةكريمة من الأستاذ عبدالعزيز بن سعود البابطين رئيس مجلس إدارة مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، رجل الأعمال الكويتي والمثقف والشاعر، حضرت المحاضرة التي أحياها الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي عضو مجلس الشورى السعودي السابق وأحد الباحثين المهتمين بشغف وجلد بتاريخ الإعلام السعودي في الثلث الأخير من شهر جمادى الأول الماضي، وكانت بعنوان (جريدة الدستور البصرية، والشؤون السعودية والكويتية فيها) وذلك في مقر المكتبة بالكويت، المحاضرة تطرقت إلى تاريخ جريدة الدستورالتي أنشأها الأستاذ عبدالله الزهير - رحمه الله- ذو الأصول النجدية والمقيم بالعراق، وتتركز أهمية هذه الجريدة لتاريخ منطقة الخليج العربية أنها ضمت في عددها الثامن والثلاثين حديثاً صحفياً للشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) -يرحمه الله- الصادر بتاريخ (محرم 1331هـ كما ضمت أقدم حديث صحفي للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- مؤسس المملكة العربية السعودية في عددها السابع والستين الصادر عام (1913م) بُعيد انضمام الأحساء والقطيف إلى الحكم السعودي أجراه إبراهيم بن عبدالعزيز الدامغ الصحفي النجدي المقيم بالبصرة، وقد أتحفنا الدكتور الشبيلي كالعادة ببحث علمي عميق يستقصي كل جوانب تاريخ جريدة الدستور البصرية بما فيها جهود الصحفيين السعوديين خارج البلاد، كما أضفى كثيراً من التحليلات النابهة للتفاصيل بشمولية الباحث المتمكن.
وما كان لهذه المحاضرة القيمة أن تقام بهذه الفكرة الرائعة وأن تنجح بهذا الاتساع والصدى لولا أن مكتبة البابطين المركزية للشعرالعربي هي التي نظمتها، فهي مؤسسة علمية محترفة تمتلك عناصر النجاح والتميز، وكيان معرفي مشع لا ينطفئ أو ينكفئ أو يفتر أو يقتر لأن خلفه وأمامه رجل أعمال مثقف سخّر ماله لخدمة المعرفة والثقافة هو الأستاذ عبدالعزيز بن سعود البابطين، العلم الجهير، والباذل المعطاء، فأعظم بإنسان يبذل ماله الخاص في دروب المعارف ونشر الثقافة ودعم المكتبة العربية بالأصيل الجيد المفيد، ضارباً في ذلك المثل الأفضل لرجل التجارة الوطني محققاً في ذلك أنموذجاً يحتذى لرأس المال المثقف في العالم العربي والإسلامي، فلم تلهه تجارته عن خدمة مجتمعه، وتنوير أجياله، وربطهم بالكتاب فهو خير جليس وأوفى عتاد للمستقبل، وإن كانت كثير من الدول والمؤسسات العلميةكرمت عبدالعزيز البابطين معلنة عرفانها لشخصيته لدورها الثقافي من خلال هذه المكتبة المركزية المدعومة بأحدث التقنيات والعناوين والمصادر الشعرية والتاريخية، فإنه بحاجة دائمة - في رأيي - إلى تكريم يتلوه تكريم مثلما كرّم الكتاب وقدمه على غيره للمجتمع.
في لقائي معه في مكتبه بالمكتبة ظهر لي أن عبدالعزيز البابطين يحمل في نفسه هم الكتاب بصفته قيمة إنسانية وثروة معرفية، ويضم إليه تطلعات لخدمة حركة البحث العلمي والتعاون مع الجميع لخدمة تاريخ المنطقة والعرب والمسلمين، يستهويه التقصي عن المعلومة وتتبع المصادر التاريخية بلا كلل وملل، ويكفي هنا أن أضرب بمثل أخاذ للإعجاب حين بحثت المكتبة عن أعداد جريدة الدستور البصرية التي تضم الحوار الصحفي مع الشيخ مبارك الصباح -رحمه الله- والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- حتى وجدتها لدى بائع للصحف والمجلات القديمة في بغداد - وهنا يتجلى مفهوم المركز العلمي الذي يسعى للحصول على المصدر أينما كان حتى لو كان عند بائع بسيط، هذا التتبع كان يقف خلفه عبدالكريم وعبدالعزيز بن سعود البابطين، وهذا غاية ما يصل له الباحث المتفاني حتى يفوز بطعم الحصول ولذة المنال، والأستاذ عبدالعزيز بن سعود البابطين - لمن لا يعرف - هو من أشخصه صاحب السمو الأمير جابر الصباح - رحمه الله- أمير الكويت لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- على رأس الوفد الكويتي الشعبي الذي قدم الشكر لخادم الحرمين الشريفين بعد عملية تحرير الكويت، وفي ذلك دلالة على شخصيته ومكانته لدى الدولة وعلاقته الطيبة بالمملكة العربية السعودية، وهذا دور رائد في خدمة العلاقات الكويتية السعودية قام به رجل رائد.
إلا أن عبدالعزيز البابطين مثله مثل كل مثقف عربي يرى جفاء الناس للمكتبات والكتب يحمل غصّة حامضة يتمنى أن تنجلي برفع مستوى القراءة والبحث لدى الفرد العربي، فبالرغم من المكتبة التي أنشأها عام 1422هـ وافتتحت عام 1427هـ يؤمها الباحثون والمثقفون من كل الدول العربية ويجدون فيها غايتهم ومبتغاهم من الكتب المتنوعة وخصوصاً في الشعر العربي إلا أنه يتمنى أن يرى المكتبة مقصداً ومزاراً للعامة حتى يتحقق الهدف وتعم الفائدة، والحق أنها مكتبة فارعة بارعة بالغة الإمكانات والتنسيق والخدمة، وهي منارة ثقافية عالية تخدم الجميع بلا استثناء، وتمد يد التعاون مع المراكز والمؤسسات والأراشيف العلمية ومع الأفراد والمهتمين على حد السواء، هي مثل صاحبها ومؤسسها طود يعلوه شمس وعلم على رأس نار.
كم نحن العرب عامة والخليجيين خاصة بحاجة إلى أكثر من عبدالعزيز البابطين، وليت غيره من الأغنياء ورجال الأعمال والمال اقتدوا بأثره، ونهجوا نهجه، وروضوا المال لخدمة العقول، وقبضوا معه جمر الثقافة في عصر أهملت فيه وشاخت، فأعظم المال نفعاً ما استثمر في المعرفة والثقافة، وأجلّه ما تلمس حاجة أهله ومجتمعه وحققها، والكتاب هو مستقبل العالم العربي والإسلامي وبدونه لن ينهض أو تقوم له عزيمة.
نائب الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز