أول درس في فنون الإدارة ومتابعة الموظفين ومحاسبتهم وضعه النبي سليمان عليه السلام!! حينما سأل عن غياب الهدهد أو تخلفه عن الحضوروتهديده له بالعذاب أو الذبح إن لم تكن لديه مهمة عاجلة أو حجة تختص بالدولة وليس بأمر شخصي.

ويبدو أن الهدهد كان له مركز وظيفي مهم، حيث تورد التفسيرات القرآنية أنه كان المسؤول الأول عن مواضع الماء في قعور الأرضين، فهو يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض، فإذا رفرف على موضع عُلم أن فيه ماء.

ولم يلبث الهدهد طويلاً في غيابه لإدراكه صرامة النبي سليمان وعلمه بمدى حاجته لخدماته، لذا بادره حال عودته بمفاجأة ربما تجعل لغيابه مبرراً ويرفع عنه التهديد وهو النبأ العظيم غير العادي! ويبدو أن الهدهد يتمتع بذكاء مفرط لاعتماده على عنصر جذب الانتباه، وعامل الاندهاش في طريقة العرض، وبراعة الاستهلال في المخاطبة (أحطت بما لم تحط به!) حيث مهد له بقصة الملكة بلقيس التي كانت تتولى حكم سبأ اليمنية، ولم يكن هذا الأمر يسترعي النبي سليمان عليه السلام، فلديه علم مسبق عنها، ولكن الخبر المفجع هو أنها وقومها يعبدون الشمس، وهو ما يتنافى مع عبادة الله عزَّ وجلَّ وتوحيده، حيث أبدى الهدهد رأيه في فساد عقيدتهم والثناء على الله.

وكان مبادراً لإبلاغ سيده النبي سليمان حينما شاهد هذا المنكر الكبير بعد أن تقصى عنه وعن الملكة ذات العرش العظيم، واقتراحه عليه بضرورة دعوتها لعبادة الله وما جرى من نتائج من زيارة الهدهد الخاطفة!

إن الرسالة التي يحملها سياق الآيات يوضح الطريقة المثلى لمتابعة الموظفين والحزم معهم للقيام بأدوارهم المناطة بهم من ناحية، والدور الوظيفي لهم من ناحية أخرى، وأنه لا يقتصر على مكان أو وقت معين؛ وإنما هو عمل مستمر يقتضي الإبلاغ عن أي قصور في نواحي الدولة، حيث ينبغي مزاولة المهام الوظيفية حتى خارج وقت الدوام، فرجل المرور يتابع الحركة المرورية ويبلغ عن أي حادث أو تجاوز مروري، ورجل البلدية، وكذلك الطبيب يلزمه ممارسة مهامه سواء في الطريق أو الطائرة أو في أي مكان، والمعلم والإعلامي والوزير، ومن استطاع أن يعدل الخطأ فليقم بذلك أو يبلغ رئيسه فوراً من منطلق تحمل المسؤولية، ولا يتوانى عن ذلك؛ ليبقى أساس الدولة متيناً بأعضائه مهما كانت ضآلة وظيفتهم أو جسامة مناصبهم.

والعمل العظيم الذي قام به الهدهد الضئيل نموذج يستحق التوقف عنده وبناء نظريات إدارية غاية في الدقة والحكمة!!