يروى في زمن مضى أن نساء فضلن الموت حرقا على أن يخرجن عاريات أمام الآخرين، وذكر أحد الجنود الفرنسيين أثناء الثورة الجزائرية أن النساء الجزائريات كن يهربن إلى اسطبلات الحيوانات عند رؤية الجنود الفرنسيين كي يلطخن أجسادهن بالروث خشية على أعراضهن وشرفهن من اعتداء أولئك الجنود، والشواهد على العفة والحياء أكثر من أن يحاط بها عبر مختلف الأزمان، أو أن تذكر في مثل هذا المقام.
بطبيعة الحال لا يعني أن المجتمعات عامة بكل أطيافها وفئاتها تتسم بمثل ما كانت عليه من فضّلن الموت على الخروج عاريات أمام الآخرين، ولا أولئك النسوة الفضليات اللاتي يلطخن أجسادهن بالروث خشية على أعراضهن وشرفهن، لكن ما يعد في حكم المؤكد أن السمة الغالبة في الأزمان الماضية هي حالة الطهر والعفاف، كما السمة التي كانت عليها تلك النسوة الكريمات، وإن وجدت حالات خارج هذا الإطار الأخلاقي الملتزم تبقى مما يعد ملازما للطبيعة البشرية، ولكن في إطارها الشاذ عما جبلت عليه فطرة الإنسان السوي السليم من ملوثات النحت الثقافي التي بدت آثارها جلية في هذا الزمن.
في هذا الزمن لم يعد خافياً أن تعرية الجسد وإظهار مفاتنه -عند البعض- أضحت مهنة للكسب المادي، من خلال تمثيل أدوار ومواقف خالية من أي مضمون عدا كونها تسلط الضوء على الأجزاء المثيرة من الجسد، وهذا ما يبدو في كثير من الأعمال التي تسمى ظاهريا فنية بينما هي في الحقيقة مجرد تكسب غير أخلاقي، أو في الدعاية لتسويق منتج ربط بينه وبين مفاتن الجسد التي لا صلة لها من قريب أو بعيد بذلك المنتج، أو عندما تتفنن هذه وتلك بكل بجاحة وتكلف في التعري لمجرد لفت الأنظار والتعدي على مشاعر الآخرين وإثارتهم.
ورأينا في هذا الزمن من لا يتردد في تزييف الحقائق والتدليس، من أجل أن يحظى بما لا يستحق، أي يلجأ إلى الخداع اللفظي وإلى الكلام المعسول من أجل أن يطرب صاحب الشأن لينال منه الغرض الذي يسعى له، بينما هو في قرارة نفسه يعلم تمام العلم أنه يتزلف ويخادع ويكذب، صورة كريهة من صور التجرد من الأخلاق الكريمة التي لا ترضى بالنفاق، وتأبى إذلال النفس وإهانتها مهما كانت المسوغات والغايات.
ومن الصور المؤلمة للتعري الأخلاقي ظلم المخالف، والبغي عليه مادياً أو معنوياً، وتفسيقه وتبديعه وتكفيره، والطعن في ذمته ونواياه، وتحميل قوله ما لا يحتمل إما بسبب سوء الفهم، أو بتعمد تفسير القول بما لا وجه له بأي من وجوه الاحتمال والدلالة، كل هذا من أجل الإساءة والتشويه، أو الإزاحة والإعاقة.
ومن الصور الأكثر إيلاماً وبشاعة للتعري الأخلاقي، التعدي على حقوق الآخرين والاستيلاء عليها عنوة، فقد بتنا نسمع عن أناس لا يتورعون عن تزوير الوثائق لتملك ما ليس لهم فيه حق شرعي أو نظامي، ومما يعد أكثر بشاعة، الاستعانة بمن يشهد زوراً وبهتاناً على انتزاع حق من مالك شرعي لكي يتم إثباته لآخر لا يمتلكه.
وبرزت في السنوات الأخيرة صورة من صور التعري الأخلاقي بعد أن طغت شهوة تذييل الأسماء بحرف الدال، حيث عمد البعض إلى الاستعانة بدكاكين سهلت لهم الحصول على الشهادات العلمية التي لا حقيقة لها، شهادات لا تساوي قيمة الورقة الكرتونية المكتوب عليها اسم الدكتور فلان، ومجال تخصصه، يقول أحد الظرفاء أعياني التفكير في معرفة دلالة الدال المصاحبة لاسم أحد المسؤولين، لأن واقع حال هذا المسؤول لا يدل على أنه يمتلك أدنى درجات المهنية في الحديث والتعامل، يقول ظننت إن هذه الدال اختصاراً لكلمة (دبشة) حيث إن هذه الكلمة الأقرب للدلالة على وصف حاله.
الدبش صفة للحيوانات، لكونها لا تعي ولا تفقه ولا تفهم ولا تحسن التصرف.
abalmoaili@gmail