تعلق جيلنا بقراءة الشاعر فيه ولم تثنِ بعضَنا قراءاتٌ متحفظةٌ حول نصوصٍ له عُدَّت متجاوزةً ؛ فقد كنا حديثي عهدٍ بدروس الأدب وشواهد النحو الخارجةِ على السمت العام والموحية بانعتاق النصِّ عن قائله والصورةِ عن مصورها فكان حُكمنا ألا معنى لكيلٍ مزدوجٍ يُحرَّم فيه مباحٌ أتيح لنا في مقاعد الصباح الإلزامية ليبقى المسار واحدًا في استرخاءات المساء الاختيارية.
**كذا يفكر الشبابُ فينصرفون عن توجيهٍ متناقضٍ يلمسونه حول اختلاط المعايير عبر قولٍ متناقضٍ أو سلوكٍ متعارضٍ أو مواقفَ براغماتيةٍ تتلون فيها الحدود وتتبدل القيود.
**أحببنا «غازيًا»حين وعينا تجربتَه دون أن نُستلبَ في رؤيةٍ أو نحتسب من تيار، ولم يعننا حينها أنه كان مجرد شاعر وأستاذ مثلما لم تتبدل حين صار الوزير والسفير والكبير ؛ فمثله لا يحتاج إلى دعايةٍ أو ادعاء،ومثلنا لا تجذبه دعاوى فراغٍ أو امتلاء ، وبقي القصيبي رحمه الله رقمًا صعبًا لمحبيه ومناوئيه.
*كان مثقفًا وسواه كثيرون ..
وأكاديميًا وغيرُه آلاف !
وشاعرًا ونحن أمة الشعراء !
وروائيًا ومن بقي لم يكتب رواية ؟!
ووزيرًا وكم مرَّ منهم ؟!
وسفيرًا ومن نذكر بينهم ؟!
**كان غازي كلَّ هؤلاء ؛ مواطنًا ووطنيًا ومبدعًا حقيقيًا ورائدًا تنمويًا وإنسانًا وعى وسعى وأمل وعمل وأيقن أن الحياة العريضة إنجاز ممتد ؛ فكانت «سبعونَه» ممتلئةً بتحديات الإشارة والعبارة والأجواء والأنواء والعواصف والعواطف .
**قرأناه في آثاره وتابعناه في مساره وظل الوسمَ والرسمَ في معادلةِ التوازن بين الإنسان وناسه ، والموظف وضميره ، والمبدع وعطائه ، فكان «الاستثناءّ» وحُق له الوفاء.
**ولعل كرسي جامعة اليمامة الذي أعلنته باسم غازي القصيبي للدراسات الثقافية يحرر هذا الرمز من حضوره الطاغي بمعنييه السلبي والإيجابي عبر أبحاث محكمةٍ وندوات علميةٍ يغيب عنها الهوى المعويُّ والضديُّ فتقدمَّ للثقافة دراساتٍ شموليةً تناسب حجم هذا المبدع وأهميتَه وتتواءم مع ما شهدناه في هذه الجامعة الفتية من التفاتٍ مبكرٍ نحو الثقافة مكّن لها تميزًا تستحقه .
**ربما كان حظُّ «الجزيرة» أن جاء ارتباطها بغازي تأريخيًا ذا حكاية تُروى ، ولم ينفكَّ الوصل بينهما أو لنقل بين «القصيبي والمالك» ممثلًا إشارةَ وفاء وانتماء امتدَّ وصلًا حين صدر» الاستثناء» ملفًا فكتابًا سعِد بهما «أبو سهيل» في صحته وحيويته.
** واليوم تستكملُ جامعةُ اليمامة دورًا مفصليًا في استعادة هذا الغائبِ الحاضر بمنأىً عن عوامل التأثير الوقتية ؛ فشكرًا للأستاذ خالد الخضير والدكتور حسين الفريحي والدكتور معجب الزهراني وفرق العمل معهم ، ويكفي هذا الكرسيَّ وكراسيَ قليلةً مماثلةً أن أشعرت برموزٍ أخرى تنتظر مبادراتٍ جادةً تضيءُ مساحاتِ البحث وتضيفُ إلى ذاكرةِ الوطن.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon