وكأنني والحزن على موعد !!
هكذا كان لي الشيخ صالح أباً انتسب له روحيا وأتقمص صفاته حبا له وإعجابا بها..
عرفته رجلا زاهدا في كل شؤون الحياة، متواضعا لدرجة أن يطلب مني ـ ومن غيري ـ أن ندعو له لعل الله يغفر له، بحجة أننا أقل منه ذنوبا !
وحين استيقظت على الخبر المفجع لم يكن من مفر ولا شكوى إلا أن أحمد الله على قضائه، وأسترجع، ولو ضاق بي الفضاء حيث لم يبق للحزن موضع في قلبي بعد توالي فقدي لشخوص تحلو بهم حياتي. وكنت أدعو الله أن يمد في حياته ليبقى من يجعل لحياتي معنى زاخرا بالصبر والتفاؤل، برغم تضاؤل الأمل في قلبي بعد زيارتي الأخيرة له، وبعد أن قرأت ما كتبه مؤخرا وما تناقشنا به سويا حول وضع المصارف وخواطر أخرى، وكأنه بها يودع الحياة..
وحين أكتب عنه فليس تنفيسا عما يهز وجداني ويزلزل مشاعري بقدر ما أريد أن يعرف كل من غرته الحياة ببريقها وجرفته في زهوها أن سمو النفس ببساطتها، وعلوها بتواضعها؛ حيث تقلد الشيخ منصب وزير دولة منذ عهد الملك فيصل وتقلب في مناصب عدة منها مشرف على هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ورئيس هيئة التأديب، ورئيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وكان هو، هو في شكله وأسلوب حياته.
ومعالي الشيخ رجل عصري، يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية علاوة على العربية وفي الوقت ذاته هو عضو في هيئة كبار العلماء، وشغل منصب الرئيس العام لشؤون الحرمين الشريفين، وكان يرفض دخول رواتب الموظفين للبنوك خشية عليهم من الربوية في القروض. وأذكر أنني دخلت نقاشا حادا معه في هذا الشأن وكتبت مقالا لا يقل حدّة برغم مكانته عندي ولكنه ظل على موقفه إلى طلبه إعفائه من منصبه، وقد قاوم خادم الحرمين الشريفين طلبه كل مرة، إلى أن أوضح الشيخ النزيه أن مرضه يحول بينه وبين أداء مهامه ! وهي رسالة صادقة لكل من يتمسك بمنصب وهو لا يستطيع القيام بما تتطلبه الوظيفة !!
أحب الشيخ العمل التطوعي ودعا له الشباب وطالب بنشر الفكر التطوعي والعمل الخيري حيث هو الركيزة التي تقوم عليها الأمة، وهذا المصطلح يحبه الشيخ كثيرا حيث نبهني له وطلب مني استبدال كلمة (مجتمع) بلفظ (أمّة) لشموليتها وسموها ! ولن أحيد عن توجيهه رحمه الله.
وحين أشارك أسرته ومحبيه هذا الفقد فإني أتقبل العزاء فيه، فهو أب عنه أتحجب، وأبكيه فقيدا للوطن وللنزاهة والورع والصدق والمروءة والشجاعة في إبداء الرأي.
سيأتي رمضان هذا العام وأنت بعيد عنا، ولكنك بقرب ربك تتفيأ نفحاته فطالما صُمْتَ وتعبدتَ وآن لك أن تستريح، أرجو الله أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny