ليست ثمة ما يلوح في الأفق كحلٍّ للأزمات الخانقة التي تمرّ بها الثقافة العربية ولعلّ أول سؤال يمكن طرحه بهذا الصدد هو من يمهّد للحروب واللجوء للعنف الذي يتخذ أشكالا بعضها هو أقصى درجات العنف والقهر؟!. إن الثقافة السائدة التي يباركها بالتالي المجتمع الذي يقوم بدوره في تأصيل قيم أخلاقية متخلفة وممعنة في الجهل، وما ينبني عليه من فقدان الذات.
إن قارئ الكتاب العربي الآن هو (مشَكّك) منذ اللحظة الأولى التي يقتني فيها الكتاب الذي سيقرؤه جمع من المندفعين نحو تمجيده والآخرين الذين يحطّون من شأنه دون عناء القراءة الذي يبدو صعبا إذا أخذنا بعين الاعتبار للتفجر الثقافي عبر الفضائيات التي لا يمكن حجبها كما يحدث في مثيلاتها على الانترنت.
إنّ الإبداع هو رهين رؤية زئبقية. أي: متفلتة!. ويمكن السيطرة عليه بقليل من الوعي بالذات ومدى استطاعته للإجابة عن أسئلة تبين وحدها مقدرة الإنسان العربي على الانتصار، أولا: على نفسه، المفخخة بالتراجع عن القرارات حتى لو كانت قرارات تمس كرامة مواطني الشرق الأوسط عموما. ونرى أثر ذلك التهاون في بناء علاقات ثقافية أولا، أيْ البناء على أسس متينة وذات علاقة بالحياة. والحياة ليست قابلة للتفسير بسبب أننا نعيشها بمعنى أننا لو كنا خارج دائرة الحياة لأمكن لنا رسم خارطتها ومعرفة اتجاهاتها، وحين نكون مجرد رماد أي: مخلفات النار التي تصبح للهو الصبية والعجائز. ليس الإبداع من يقبل أنصاف الحلول وأنصاف الطرق. بل إنه هو رحيق العرق الذي يتصبب من إبطينا. ولكون الزمن يؤمن بالتحوّل فإن أولى مهماته هي تصنيف الناس حسب رؤيتنا القاصرة، القاصرة بكل وضوح!.
الرأي قبل شجاعة الشجعان يقول العرب. لذا فإن سلاح المشاة لدى العرب بطيء. وتأتي الأسباب التي تشبه ما قيل عن (نابليون) أنه سأل أحد جنوده ما هو السبب الذي منعه من إطلاق النار؟. فقال الجندي إن لديه لذلك عشرة أسباب!. وهي على التوالي إنه ليس في سلاحه ذخيرة!. فالذي نعرفه عن الحروب ليس فقط: الدماء الحمراء التي تلطخ الأفق والموت. وليس هذا تجاهلا للسلاح العربي المتقدم، ولكنه من قبيل أننا نعرف قدْر أنفسنا، ورحم الله امرأ عرف قدرَ نفسه. وليست هي الميادين التي تواجه فيها طرفا قويّا بل هي ميادين الكلام المليء بالحبر الذي يسهل خلع الثوب الملطخ به!، ولكن الرصاص هو اللغة البديل.
فمن هو الذي يتبنى الرصاص؟!
إن في ذاكرة الأمة العربية أمكنة تختبئ فيها ذرائع الرغبة في الحياة أي عدم الموت! بمعنى أقرب. والحديث عن الزمن العربي الآن، زمن ما بعد الربيع العربي وهي تسمية فيها جدال ومسألة قابلة للحوار الواسع الصدر. إن من قصائد الزمن العربي قبل الإسلام لوجدنا فيها الكثير من مديح الحروب وتصويرها على أنها منذورة للعرب، لمنتصرٍما.
والذاكرة هي في وجهها الآخر: التاريخ!. وما هو ضدّ التاريخ هو النسيان الذي يتمدد كالظل من خلف القماش يأخذ أشكالاً غرائبية ومفزعة. إن الأمم لا تتمكن من وضع أقدامها على أول درجات السلّم وتمضي قدما إلا حين يكون لديها الدافع القويّ والمستمرّ نحو الرقيّ وإن أمكن أن يكون ثمة ما ينبغي على الوطن أن يقوم به من أجل ذلك فهو الحوار، والاختلاف البنّاء، وعدم اللجوء إلى لغة التهميش والإقصاء. فهي لغة الطرشان أو شبيهتها السيئة الذكر المعروفة بلغة الممتلك للحقيقة الذي لا يسمح بالنقد ولا يعدّ للزمن عُدّته التي تتجلى في الوضوح والصدق والشفافية، وليست الثقافة هي فقط ما ينتجه التيار المثقف، وما يكون من أشكال الإبداع. ومن الإبداع - أن يكون المتلقي شريكا في عملية الإبداع - ومنه ما هو مجرد استهلاك للغة وتكرار واجترار لقيم عاطفية لا تخدم أهداف العمل الإبداعي بقدر ما (تكرّس) للشكل دون مضمونه أو للمضمون دون تجلياته التي تتمثل في التنويع والغزارة والاستمرار في تكوين نفسه وطموحنا لأن نكون شعبا يمارس الإبداع بكل ما في الكلمة من معنى، وما يجعل التفكير الإبداعي في منجاة من الاستسهال والمجانية. إنّ كثيرا مما يُكتَب يدّعي كاتبوه أنهم عاشوا تجربة القلق الإيجابي بينما هم في الحقيقة يعتبرون أن مجرد وجودهم هو أشبه ما يكون باللغز (!).
وليس من قبيل التلاعب باللغة واستغلال الكلمة لغرض تبريري فإن السؤال الذي طُرح على الساحة الثقافية كان (سؤال) الشعر الذي تفجّر قبل أن ينتظر التنظير له كطارئ أو جديد أو كغريب. هذه هي الأسلاك الشائكة التي يتسوّر خلفها ممشى العدوّ!. والصراع بين الغريب والأليف والمتطامن. وعليه فإنه يمكننا أن نتبنى الإبداع كجزء من حيواتنا التي نعيش حالة من الاضطراب وتتلقى الصفعات على حلمها بإبداع يسمو فوق التنوع بل ويضع التنوع أحد أهم أطياف وجهه الجميل.
لذا فإنه من الصعب وجود (معايير) لقياس مدى الصعود في أشكال التعاطي مع الجديد. فهو إما غارق في الإصغاء إلى نفسه، ومن يصغي لصوت نفسه يكون من الصعب أن تُسمعه ولوكنت تكتب بإيقاع شديد الضجيج، فالمستمعون إلى أنفسهم يكونون عادة من القاصرين عن الحوار. فالحواركما نعرف يلزمه شعور بالشراكة، ولم يكن في أيّ زمن واقعي أو غير(أسطوري) من قبل بالحوار تحت شروط الآخر، ولهذا فإن خطى الوطن ينبغي أن تكون مواكبة لهذا الرأي الذي يعرف أن النصر والهزيمة الوجهان الأصيلان للعملة، فوقوع أحدهما هو من اللوح المحفوظ الذي دوّن أقدار الناس قبل أن يكونوا شيئا مذكورا. وهنالك وعلى ذمة الغيب منتصر أبديّ وغير مؤمن بتقسيم الرغيف على اثنين، باعتبار أن رغيفاً واحداً هو منتمٍ لرجل واحد. أقول قولي هذا وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو التوّاب الرحيم.
alhomaidjarallah@gmail.comحائل