رغم كل العنف، فإن الحياة تسير باتجاه الجمال، وإذا أردت أن تتأكد من ذلك اقرأ التاريخ, ستجد أن كل (مشكلة) يعقبها حل (إبداعي)، ففي الوقت الذي يهدم فيه البعض الحياة، هناك من يعمل على بنائها تبعا لسنة الخير والشر المكتوبة إلهيا على أهل الأرض.

الأفكار الجديدة تأتي لحل مشكلة ما, فليس المبدع من يجلس تحت سراج في غرفة نائية, ليأتي بالأفكار الإبداعية، وإنما الأفكار الإبداعية تأتي من رحم المشكلات، فأهم مصدر للفكرة الإبداعية هي المشاكل, بدليل أن كل المخترعات المعاصرة هي نتيجة لمشكلات حدثت.

الحياة عملية مستمرة من المشكلات والإبداع، لو توقفت المشكلات تتوقف تلقائياً الأفكار الإبداعية, هذه فكرة معرفية مهمة تقودنا للنظر بإيجابية باتجاه الأحداث الصعبة التي تمر بها المنطقة, فمنذ حرب داحس والغبراء التي قامت بفعل بعض الأشرار، وجدنا بالمقابل هرم بن سنان والحارث بن عوف يبتكران طرقاً إبداعية لإيقاف الحرب.

الشاعر الجاهلي زهير بن سلمى خلد هذه المواقف في معلقته، حيث نرى هذا الموقف تتكرر في حقب زمنية متعاقبة, فالتاريخ يعيد نفسه مع اختلاف بعض التفاصيل، فلكل زمن دولة ورجال.

البعض يتوقع أنه يملك الزمن والمكان والتاريخ, ويتوقع تحت ظروف نفسية متأصلة في كيانه, أنه لا يتغير كالأهرامات, ويريد أن يحصد رحيق زمنه وزمن غيره, يريد أن يكون العظيم الأوحد، النجم الذي لا يأفل, والاسم الذي لا ينقطع الناس عن ترديده, والصورة التي لا ينساها الجمهور.

مثل هؤلاء يتوقعون أن المشكلات لا تعصف بهم، وأن حلولاً جديدة تظهر على أنقاضهم، قد يكون الحل نجما آخر, أو ألوانا جديدة، أو تصميما مختلفا, ردود أفعال لا يرونها في الأوفق ولكنها تظهر رويداً رويداً لا يشعرون إلا وهم جزء من التاريخ يكتبه الذين بعدهم.

شاهد نشرة أخبار قبل30 سنة، ونشرة أخبار حالية، سترى الفرق، وستجد أن التاريخ والناس والعالم يتغير، وأن ثمة أفكار جديدة، غير التي كانت، وأنك لا تنزل النهر مرتين، ليس لك أن تطأه إلا مرة واحدة، واستمتع بهذه المرة فليس لك غيرها.