موعد قدر له وقت فتحقق في وقت آخر، حمدت عاقبته بفضل الله، والنفوس مولعة بحب العاجل من الخير، إذ كانت زيارة صاحبي السمو الملكي الأميرين الفاضلين الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض والأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز نائب أمير المنطقة إلى محافظتي الغاط والزلفي، كما هو البرنامج العام في الموعد الأول المقرر في زيارتهما وتفقدهما محافظات منطقة الرياض، ومن تلك المحافظات محافظتا الزلفي والغاط إذ حدد للغاط يوم 11-7-1434هـ وللزلفي يوم 12-7-1434هـ كما فهمت. فشاء الله أن قدم الموعدان، للغاط يوم الثلاثاء 20-6-1434هـ ومساؤه، وللزلفي يوم الأربعاء 21-6-1434هـ فكان قدراً مباركاً أن اتفقت زيارة سموهما للمحافظتين وزيارة الغيث الذي أروى الأرض وملأ السدود وأجرى الأودية وتكونت به البحيرات في منتهى كل واد. إذ عاشت المحافظتان ليلة الحادي والعشرين بذلك الغيث المدرار المبارك بما أشغل المواطن خشية ما شاهده ليلاً فحمده نهاراً بذلك الوابل الصيب والعطاء الطيب بما جعل عاقبته محمودة أنست تلك الساعات الحرجة التي مر بها مواطن الزلفي في المدينة وقراها وأريافها وفلواتها، إذ بدأ هطول الخير الساعة التاسعة إلا دقائق وكنت وصحبي في الفلاة صحبة الإبل، فأرسل الله شآبيب السماء بما لا يلم به واصف ولا يحيط به قلم عارف، بما جعلنا ننشغل عن عشائنا لما أحاط بنا من السيول في موقع لم يسبق وأن جرى فيه وادٍ، إذ صار واديا يجري فلم نستطع البقاء في الفسطاط الكبيرحيث غمره الماء أرضاً بجريانه ولا في بيت الشعر بقوته ومتانته، حيث بقيت الأرض أشبه بالبحيرة فلجأنا إلى مقطورة نصبت لهذا الشأن، وكان المطر مع غزارته قد أبعدنا من النوافذ إذ بقيت النافذة لا تمنع المطر للرياح المتعاقبة الدائرة يمنة ويسرة تحت ضغط وحركة السحاب المتموجة، مما لا نستطيع الإشراف منه، من خلال تلك النوافذ، ولاضطرار أحد الصحبة الأستاذ علي بن صالح المتعب بأن يعود للزلفي لظرف دعاه فقد ركب سيارته، وبعد لأي وعنت - وكما يقول - استطاع الوصول إلى الطريق المسفلت الذي يبعد عن موقعنا قرابة الكيل فقط، وقد خدمه أن كانت سيارته دفعاً رباعياً وهو ماهر في القيادة، بيد أنه لم يجد الاسفلت أيسر من الطريق الصحراوي، إذ منعته السيول الجارفة من الذهاب من خلال طريق (أبو سديرة) مما اضطره إلى الرجوع شمالاً من خلال طريق جزرة، فبقي لا يأتي مكاناً إلا ويجده أصعب من سابقهحتى أنه لم يصل إلى منزله إلا بعد جهد جهيد ومشقة، وكنا على اتصال به حتى وصل إلى منزله فنصحنا بأن نبقى مكاننا أو نخرج منه إلى مرتفعات النفود حتى لا يجتاحنا ماء البحيرات الثلاث داحورة الكسر، فروضته، فروضة أم الذيابة فيما لو فاضت تلك البحيرات، وكنا نخشى بل نترقب أن تفيض السيول من البحيرات الثلاث المتصلة بروضة السبلة الأم، ولو فاض إلينا لوقع ما يخشى، وأكثر ما شق بنا الابل، إذ بقيت بكبارها وصغارها في حنين مرتفع وترزم مستمر وكأنها تخشى ما نخشاه حتى هممت بأن أفتح الأبواب لتلجأ إلى النفوذ المجاورة لها من الشرق، وبفضل الله فقد بدأ السيل يخف عنفوانه الساعة الحادية عشرة ليلاً، ومن لم يشاهد لا يتصور الواقع، فاستطعت وصاحباي الشاعر محمد النتيفي الخروج بسيارته الخاصة وهي دفع رباعي وكان ماهراً في القيادة حيث اتجهنا إلى الشمال ولم نستطع الوصول إلى جزرة إذ وجدنا الأرض الصلبة قبل ساعات أشبه بالزبدة حال مسيرنا، وما بين لحظة وأخرى تكاد السيارة تسوغ في الأرض فأعدنا أدراجنا إلى مخيمنا لما وجدناه، ولازدياد جريان الماء وخشية من أن تفيض البحيرات الثلاث فيدهمنا الخطر أوقفنا سيارة صاحبي النتيفي، حيث واجهت مشقة في ذلك الاستكشاف الليلي، وركبنا السيارة الخاصة بي واتجهنا إلى الجنوب لنعرف مصدر هذه السيول المتدفقة إلينا وكنا نسير إلى جوار نفوذ الضويحي باتجاه الجنوب والليل يحجب الرؤية إلا ما يكشفه لنا البرق المتواصل، وقد احتطت بالأسباب المتاحة من تشغيل الدفع الرباعي ومؤمن الانزلاق، ومانع دوران العجلة خلاف الأخرى وكل ذلك لم يجدِ نفعا إلا بأن اكتفينا من الغنيمة بالإياب والرجوع إلى موقعنا الساعة الثانية والنصف ليلاً بعد مغامرات لم تنجح، فحمدنا الله إذ لم نطلب إسعافا ولم نبت خارج سربنا، هذا ما وقع ليلة يوم الأربعاء، وفي صبيحة هذا اليوم وبعد صلاة الفجر استأذنت صاحبي بالذهاب إلى الزلفي وخلال السير رأيت الخير الكثير الذي يفوق الوصف بل يفوق التصور إذ المياه من كل وجهة وإلى كل جهة حتى وصلت إلى الخال الشيخ سليمان بن أحمد الفراج للسلام وللاطمئنان عليه إذ سكنه ضمن الحي الذي طمره السيل فوجدته في خير بفضل الله، جالسا في مجلسه يقصده جاره والآتي إليه من بعدٍ، بعد صلاة كل فجر طيلة عامه ولا يخرجون إلا بعد تناول الإفطار، ومنه وفي الساعة الثامنة ذهبت إلى المحافظة فوجدت المحافظ الشيخ فيحان بن عبد العزيز بن لبده، وأظنه قداصل أمسه العشرين في ليلة البارحة إلى يومه الحادي والعشرين لم ينم، إذ بقي منجدا هنا، ومغيثا هناك حتى، طمر السيل سيارته ومن معه، بما جعله يركب سيارة شحن كبيرة فركبوا فيها فأنقذتهم هو ومن في رفقته من حي إلى حي فبقي من أمسه إلى يومه في دوام لم ينقطع، فله ولمن ساهم معه من المسؤولين المخلصين خاصة مدير الدفاع المدني في الزلفي العقيد علي عبد العزيز النتيفي ورئيس شرطة الزلفي العقيد سعد فهد القحطاني، جميل الشكر، ولا أنسى هنا وكم هو التأسف وقد سمعت ولم أره، أن سعادة اللواء الفاضل مدير شرطة منطقة الرياض سعود بن عبد العزيز الهلال ضمن الزائرين، ولا أشك أن له التوجيهات السديدة والمتابعات الجادة وهو صاحب المواقف الحميدة، كما عُرفت عنه لحظات الجد، ولا ريب أن لوجوده وإشرافه المباشر -كبير الأثر في نجاح الخطة الأمنية والمرورية لذلك الموكب الكريم، مع ما هنالك من عقبات مما أحدثه السيل الذي جرف بعض الطرق والشوارع، فله عذري صادقا وسلامي خالصا، كما أشكر مسئولي البلدية ومدير مكتب المحافظ، الشيخ صالح بن عبد العزيز المد الله ؛ بل وللجميع جميل الثناء وجزيل الشكر ومن لا يشكر مستحق الشكر فقد قصر في أداء واجبه، وبعد حديث المعاناة عن ليلة البارحة واستبشار الكل فيما منحه الله بما أنسى عنت البارحة وما صحبها من خوف، فقد بقينا بانتظار وصول صاحبي السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز نائب أمير المنطقة وكل ما عانته محافظة الزلفي بارحتها، فقد عاد أنسا بذلك الخير وبمقدم صاحبي السمو الملكي الأميرين الكريمين إذ شرفا محافظة الزلفي فاستقبلهما ومن في معيتهما محافظها وبعض الأهالي وحال السلام قلت لسمو أمير المنطقة ليهنأ الزلفي خير السماء وزيارة سموكم، فقد اجتمع فيها الخير الكثير جعل الله العاقبة محمودة في مطرها وفي زيارتكم المباركة، كما سلمت على صاحب السمو نائبه وتحدثت معه كذلك وقلت لو إن الأعمار تهدى لرأيتم كيف هو التسابق في إهدائها إلى والد الجميع، رجاء إبلاغ سيدنا سلامنا وصادق دعائنا، واستأذنت حيث الإبل محاطة في السيول ولدي أضياف ضرب موعدهم قبل شهر، فذهبت إلى إبلي مستقبلاً أضيافي ولم أكمل شرف الصحبة فيما زاره سموهما، وهنا أنوه باسم كل صادق بالشكر لصاحبي السمو بما جادا به من زيارة، وبما سيتحقق على أيديهما من خير لمحافظتنا، ولماادا به من تحمل تكاليف تلك الزيارات لكل محافظة، ومحافظة الزلفي من ضمنها، مما سيكون فاطما للأثداء ومانعا لمن يقول - الشخص على قدر تبرعه -، كما لا أنسى أن أشكر لمحافظنا الشيخ فيحان بن لبده عزة النفس وعفة اليد والترفع عما يخالف الفطر السليمة والتربية الحكيمة إذ لم يقبل مساهمة إلا ما قرره ولي الأمر وجاد به، وليس بمستغرب هذا على مثله، وهنا وحرصا، ولا أرى محافظنا إلا وقد كفى ووفىّ، ولكني آتي بها على نهج أبينا إبراهيم عليه السلام في جوابه لربه حين سأله (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) إذ النفس تتشوف لما يتطلبه حب الوطن وأهله وصدق الوفاء لقادته، بأن أعيد ما طلب إن يكن طلب قبلا أو أعرضه في بعضه جديداً متمثلا في المطالب الخمسة الرئيسة للمحافظة:
1- علاج مشكلة الصرف الصحي لضرره الآني، ولما يخشى من ضرره مستقبلاً وقد شاهدت كما شاهد غيري بالعين المجردة اختلاط المياه الملوثة في مياه الأمطار الجارية، وأعتقد أن لسمو النائب جهداً يذكر فيشكر فيما سبق من محاولة كشف الضرر ودفع الأذى.
2- افتتاح جامعة في الزلفي تكفي المواطن عنت الانتقال مع أولاده الدارسين وتكفي الدارسين خطر مشقة السفر من الزلفي إلى الجامعات الأخرى غير ما يلحق من نفقات وتبعات مالية يعجز عنها الكثير.
3- حل مشكلة السيول التي تجتاح الكثير من الأحياء في الزلفي كل موسم مطر، ومن اليُمْن للزلفي أن التقى فيها الخيران، المطر وزيارة صاحبي السمو، وقد شاهدا بما لا يُطلب بعده إثبات، وسموهما خير من يقدر فيحقق، خاصة في صرف السيول وعلاج مشكلة الصرف الصحي.
4- إيجاد مبنى للمحافظة يتلاءم وسعة المحافظة ويتناسب والتطوير الشمولي الذي عم أنحاء مملكتنا الحبيبة، خاصة وأن المبنى قديم لا يستوعب بمكاتبه وصالات الاستقبال.
5- تطوير مشفى الزلفي فنياً وعددياً، كماً ونوعاً بما يكفي المواطن مشقة الأسفار إلى المستشفيات الأخرى، ليبقى السبق والفضل لسموهما بتحقيق هذه المطالب، ولما منح الله المحافظة من الغيث المدرار والزيارة الكريمة فقد جاءت القصيدة:
***
بزورتكم سيقت إليها الفوائد
بمجدكما مجد على الدهر خالد
حقيقا بما أُوليته اليوم خالد
ونائبكم نعم الأمين يمينكم
إذا عظمت أمراً وعز المساعد
تبوأتما من مجدها صهوة العلى
فلازمكم نجم من العز صاعد
أيا ابنيّ من باع الحياة زهيدة
إلى خير ما يرجى غدا وهو عائد
ويا ابنيّ من باع الحياة بجنة
بما كان يغري وهو في العيش زاهد
ويا ابنيّ من لم الشتات أخوة
وأسس ماتصفو عليه الموارد
تصافيتما حبا إلى الخير هاديا
وأكرمه ما قيدته المحامد
فما أنتما إلا اختيار موفق
أجاد اختيارا وهو في الخير رائد
أبو متعب من نصطفيه ديانة
بما لم يدع قولا إذا قال حاسد
فلو عددت تلك الخلال لاعجزت
معددها حيث الطريف وتالد
ومن منح الخيم الكريم وجدته
الوفاً ومألوفاً وذو العقل راشد
نعمنا بهذا أمْنة وكرامة
وفزنا به والعدل للأمن قائد
لقد أمنت والأمن أكرم مبتغى
يعيش به راعٍ وتَجْر وساجد
ولا خير في عيش وإن كان وافرا
إذا لم يكن في الأمن والأمن سائد
ومن حرم الأمن استحالت حياته
شقاء وبؤسا لو تطيب الموائد
فما أنتما إلا من الدار ربها
وأشرف من تسمو إليه الفرائد
ليهنأ زلفى زورة ومحبة
تجددها عبر الزمان الخوالد
فهذه هي الزلفي رضا وأصالة
وشوقا إليكم ترجمتها القصائد
كما زرتماها، زارها الغيث والهاً
وما كذبت في رصد ذاك المراصد
تجلت لكم عن سرها فتكشفت
بأخطاء من غمت عليه المقاصد
ومن لم يكن في صدقه متحررا
تسير به أهواؤه وهو قاعد
ومن لم يعش جد الأمور فإنه
يعيش بأحلام المنى وهو راقد
ومن لم يكن من حقده متجردا
يعش عمره في نفسه وهو حاقد
ومن لم يعش في الصدق عاش عراءه
ولو جاء من دون الثياب التجاهد
وطالب عز في خلاف ثوابت
يعيش ذليلا وهو للعز فاقد
حللتم فأهلا ثم سهلا ومرحبا
ترددها أم وطفل ووالد
ورددها الشيخ الوقور لأنه
يرى غير ما يدعو إليه المعاند
تباهت بأبهى حلة وتجملت
للقياكما والمرتجى اليوم واعد
وتفرش قلبا أنكم نبض قلبها
وأصدق حبا ما به القلب واجد
ومن لم يكن في حالة الضيق مؤثرا
ففي سعة الأيام يُغرى المشاهد
تقلدتماها منحة وأمانة
وشرفتماها، ذاك والفعل ماجد
أعانكما من أمره بمشيئة
تفرد فيها وهو في الحكم واحد
وإني لها فيما اهتوت لمبشر
بزورتكم سيقت إليها الفوائد
فلا عدمت منكم سوابغ فيضكم
بما حملته المدجنات الرواعد