الصيد عرفه الإنسان بعد مرحلة الجمع والالتقاط للاقتيات، وقبل الاستقرار في مجتمعات رعوية أو زراعية. وعندما استقر في المجتمعات الزراعية والرعوية أصبح الصيد لحماية الماشية التي يربيها، وبالذات الأغنام، من الحيوانات المفترسة هي مهمة الصيد الأولى، إضافة طبعاً إلى صيد الطيور والحيوانات من أجل الغذاء أيضاً؛ إلا أن صيد الطيور والحيوانات، بل والزواحف كذلك، تطورت فيما بعد وأصبحت (هواية) من هوايات المترفين في المجتمعات الحضرية؛ ما جعل هناك علاقة طردية بين الترف والثراء والغنى وبين ازدياد معدلات الصيد الجائر؛ الأمر الذي أدى إلى أن كثيراً من الحيوانات والطيور التي يُفضّل الصيادون مطاردتها مهدَّدة بالانقراض، ليس على مستوى المملكة فحسب وإنما على مستوى العالم ككل؛ بل إن المها العربي (الوضيحي) - مثلاً - وأنواع أخرى من الغزلان كادت أن تنقرض من بلادنا نتيجة الصيد الجائر لولا أن أنشأت الدولة (الهيئة السعودية لحماية الحياة الفطرية) التي قامت بإنشاء محميات للحفاظ على الأنواع المهدَّدة بالانقراض؛ وقد كان لهذه الجهود المشهودة مردوداً جيداً على مستوى حماية البيئة الفطرية ومكوناتها، وعادت كثير من الحيوانات والطيور إلى بيئاتها الطبيعية في بلادنا، بعد أن اختفى بعضها، أو كاد أن يختفي البعض الآخر.
تاريخياً أول من نبّه إلى الصيد الجائر، أو (العبث بالطبيعة) من خلال الصيد، كان الإسلام.. فعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل عصفوراً في غير شيء إلا بحقه سأله الله عزَّ وجلَّ عنه يوم القيامة). حديث صحيح. كما وردت أحاديث أخرى عديدة في كراهية الصيد العابث، وإن كانت لا ترقى إلى الصحيح القطعي إلا أن تضافر بعضها مع البعض الآخر يمكن القول بطمأنينة إن الصيد في غير منفعة ولا حاجة هو على الأقل مكروه إذا لم يكن محرَّماً. يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في حديثه عن فقه الصيد إنه يقع على ثلاثة أوجه؛ وذكر منها: (أن يصطاد على سبيل اللهو والعبث، وليس بحاجة إلى الأكل، وإذا صاد الصيد تركه، فهذا مكروه، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه؛ لأنه عبث، وإضاعة مال، وإضاعة وقت).
ولعل ما نراه من تراجع كبير، يتفاقم مع مرور الوقت، لأعداد كثير من المكونات الحيوانية الموجودة تقليدياً في بيئتنا، كالضب والجربوع - مثلاً -، هو من باب العبث واللهو الناجم عن الترف؛ فليس ثمة مبرر لصيد الضب والجربوع إلا التسلية واللهو؛ ورغم أن لحم الضب تحديداً قد يُصيب الإنسان (بالجلطة) نظراً لاحتوائه على نسبة عالية جداً من الكلسترول؛ وكثيرون، خاصة من الكبار في السن، أصيبوا بالجلطة بعد وجبة غداء كان لحم الضب من مكوناتها، إلا أن صيده مع ذلك منتشرٌ بشكل واسع وكبير، الأمر الذي يدعو إلى إصدار أنظمة صارمة وحازمة لحماية الحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني من عبث العابثين بشكل أشد ردعاً من الأنظمة الحالية؛ إضافة إلى العمل على نشر الوعي البيئي، كأن تُضمّن المقررات المدرسية ما يُنبه النشء إلى خطورة الإخلال بالحياة الفطرية والتوازن البيئي؛ سيما وأن الشريعة الغراء اهتمت بالحياة الفطرية ودعت إلى الحافظ عليها، وحاربت العبث بها، سواء ما يتعلَّق بالنباتات أو الحيوانات أو المياه؛ ما يعني أن الإسلام بالفعل كان أول دين على وجه الأرض اهتم بالبيئة وتوازناتها قبل أن يكتشف الإنسان ضرورة الاهتمام بالتوازن البيئي كشرط ضرورة لبقاء الإنسان على هذا الكوكب.
بقي أن أقول: كان الصيّاد في الماضي يبحث عن الطريدة ويفرح بها ليسد رمقه، ويُبشِّر أصحابه بالعشاء حينما يصيد؛ يقول شاعرهم العامي:
بشّرتهم بالعشا من عقب مقيالي
القايده مع مرد الكوع ضاربها
أما اليوم فأصبح عشاء القنّاص يأخذه معه من محلات (الفاست فود) أو ما لذَّ وطاب من المعلبات، ويصيد لمجرد اللعب والعبث والتسلية.
إلى اللقاء