الذكرى الثامنة التي نعيشها هذه الأيام هي مصدر قوة للمجتمع تجعلنا نستلهم انجازات الوطن خلال سنوات قصيرة اذا قيست بحجم المنجزات التي تحققت على أرض الواقع في بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية.. لقد حفر عبدالله بن عبدالعزيز اسمه وصورته في قلوب الشعب السعودي، وشعوب
الخليج والامة العربية والاسلامية، بل تجاوز حدود الأمة إلى باقي دول وشعوب وحكومات العالم، وأصبح رمزاً استثنائياً في الحكمة والرؤية والمواقف الوطنية والقومية..
الذكرى الثامنة ليست مجرد سنوات تمر وأزمان تمضي، ولكنها إنجازات تحكي وأعمال تتكلم على كافة الصعد المحلية والعربية والدولية، وتعلمنا منها دروس الانجازات وفصول العمل النوعي، ومخرجات التنمية العصرية.. كثير من مناسبات الذكرى التي نسمع ونقرأ عنها في دول ومجتمعات اخرى ليست إلا أرقاما تفتقد المعنى والاحساس والمضمون، وأصبحت في كثير منها شعارات سياسية او اجتماعية تتكرر سنويا عبر وسائل الإعلام لإثبات الحضور وتضخيم الاشخاص. أما الذكرى التي نتحدث عنها فهي صناعة للمنجزات، وعمارة للحياة، وبلسم للاوجاع والآلام.. وهي ذكرى معاشة، واستلهام حقيقي، ومعاني صادقة..
عبدالله بن عبدالعزيز هو المواطن بكل معنى الكلمة، والمواطن السعودي هو عبدالله بن عبدالعزيز بكل معنى المسؤولية، واقتران القيادة بالمواطن وتلازم الحكم بالشعب هو نهج وضعه عبدالله بن عبدالعزيز بكلمات عفوية في كلمة ارتجلها في إحدى جلسات مجلس الوزراء”من نحن بدون المواطن السعودي؟؟”. وهو بهذه الكلمات الخمس سطر ما ينبغي ان تكون عليه العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والقيادة والشعب..
وللأسف لم يتم دراسة هذا المنهج السياسي بالشكل المطلوب، لانه ادراك واعي بان الدولة تتجسد في شخص المواطن، وان المواطن هو غاية الحكم، ومنتهى الاهداف التي تتطلع اليها الدولة.. كما للاسف فان بعض اشخاص الاجهزة التنفيذية لم يستوعب هذا النهج، بل وربما عكسه إلى “من هو المواطن بدوني أو بدوننا أو بدون ذلك الجهاز أو تلك الادارة”.. وهناك فارق محوري مثل الفارق بين السماء والارض. فعبدالله بن عبدالعزيز وضع المواطن في قمة الهرم السياسي، بينما الشعار الآخر وضع النفس فوق كل شي بما فيها المواطن.. وهذا الشعار الذي وضعه عبدالله بن عبدالعزيز (واكره ان اسميه شعاراً لأنه يتجاوز مفهوم الشعارات الي كونه منهج عمل حقيقي) هو ترجمة صادقة لطبيعة العلاقة القائمة بين القيادة والمواطن..
عبدالله بن عبدالعزيز استطاع في سنوات محدودة أن يغير الكثير في حياة بلاده ومنطقته والعالم من حوله، فهو صاحب رؤية تتجه دائما إلى المستقبل، وتنطق دائما باسم المواطن، وتسعى دائما لرفعة الامة وخدمة قضاياها.. ورؤية الملك عبدالله تسبق الاحداث وتقودها، وليست ردة فعل آنية لمجريات الاحداث.. الملك عبدالله - يحفظه الله - رسخ مفهوم التواضع في العلاقة بين القيادة والشعب، وكرس قاعدة “المواطن أولاً وأخيراً”، وأسس خطاب “الشفافية أساس العلاج الاداري لمعضلات التنمية”..
هناك علامات فارقة في حياة المجتمع السعودي في عهد الملك عبدالله بين عبدالعزيز، فالحوار الوطني يسعى إلى ترسيخ الوحدة الوطنية، وحوار اتباع الاديان والثقافات يسعى إلى بناء عالم تسوده الالفة والتعاون والتفاهم بين الحضارات الانسانية، والوحدة الخليجية تحقق اهداف التلاحم بين الاشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وجهود المصالحة بين الاشقاء العرب - فلسطينيين أو يمنيين أو صوماليين أو افغانستانيين أو لبنانيين أو عراقيين وغيرهم - هو بهدف تلاحم الصف العربي وبناء وحدة المصير الواحد في كيان عربي اسلامي مشترك..
لقد حقق الملك عبدالله اصلاحات كبيرة في شتى مجالات التنمية السعودية، سواء اكانت اقتصادية ام تعليمية أم اجتماعية، ولم تقتصر هذه التنمية على منطقة دون أخرى فقد استحدث مفهوم التنمية المتوازنة في المجالات والتنمية المتوازنة في المناطق، واصبح المواطن هو هدف التنمية وغاياتها اينما كان، وحيثما هو احتاج.. ولهذا فقد تأسست مدن اقتصادية ومالية وصناعية ومعرفية بطريقة وبتخطيط متساوٍ يفرض التوازن بين المناطق والعدالة في التوزيع حتي تكتمل منظومة التنمية الشاملة في كل انحاء البلاد.
ان الثماني سنوات في ذكرى البيعة قصيرة في الزمن لكنها كبيرة في الانجاز.. سنوات محسوسة في الوقت لكنها استثنائية في الحجم والشمولية.. ثماني سنوات ونحن نرى ونسمع وندرك انجازات التنمية الشاملة التي شهدناها بصمة على جبين الوطن نفتخر بها ونعيش معها ونتوق اليها.. عبدالله بن عبدالعزيز ومعه في الثماني سنوات اخوته سلطان ونايف وسلمان ومقرن هم قيادة الوطن في الوقت الذي كان يحتاجهم الوطن.. وهم جميعا ضحوا بوقتهم وجهدهم وراحتهم من اجل خدمة ورفعة هذا الوطن، الذي أعطى وأخذ، وقدم ومنح من أجل استقرار وازدهار المكان وراحة ورفاهية الانسان.
alkarni@ksu.edu.saالمشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك سعود
رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال