كان لا بد أن نسـتسلم لتداعيات مصدرها الهم العربي الذي تفككت أطالسه وسياساته, تداعيات تجمعت مثل شعاب حزوم نجد أو تلك الثقال من الأمطار التي تغرق خبت الأرض, ففي مساء يوم الثلاثاء الماضي وفي الملتقى التنسيقي للجامعات والمؤسسات المعنية باللغة العربية في دول الخليج، وفي القاعة المستديرة للعشاء الذي دعا إليه نائب وزير التعليم العالي د. أحمد السيف، تجمع ضيوف الملتقى من علماء وأساتذة اللغة العربية في الجامعات والأكاديميات العربية ودول العالم للنقاش والحوار المفتوح, جاؤا من أقاصي الأرض والبلدان البعيدة، وقد غلب على ضيوف الملتقى إخواننا العرب وبالذات من: العراق وتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا هم دول الربيع العربي, أيضا من السودان والجزائر والمغرب ولبنان والأردن ودول الخليج وإفريقيا العربية والعالم الإسلامي، وكان النائب د. السيف يتحاور معهم عن هموم اللغة والجامعات والأوطان, وكان للضيوف العرب من بلاد الربيع العربي أحزان وهموم وأوجاع تجعلهم أكثر شجناً ووجداً على بلدانهم.
نحن في قاعة الملك فيصل يرحمه الله التي أمر بناءها وافتتاحها عام 1975م سكنا بالتاريخ وسكن التاريخ داخلنا, أعمدتها اسمنتية تلمس حزوز الخشب وحبيبات الأسمنت, وسقفها وقبابها وافاريزها كما هو لون الرماد لم تلبس جدرانها بالرخام أو تطلى بالأصباغ كما وضعها لأول مرة البنائين وكأنها للتو أفرغت من القوالب الخشبية, معمار يجعلك تسأل عن تلك الحكمة الإنشائية التي أرادها الفصيل في ذلك الزمن المبكر من حياة العمارة في بلادنا.
لا ادري لماذا تذكرت وطني العامر ونحن بين أبناء الربيع العربي وقد تركوا دولهم تئن وتلعق جراحها للفكاك من زمن الاستعمار الأوروبي منتصف القرن العشرين، ثم في بواكير الألفية الثالثة للخلاص من العسكر والدكتاتورية، لكنها انزلقت في حروب لا نهايات لها : سوريا العراق ليبيا اليمن تونس مصر وأيضا السودان الذي أصبح سودانيْن، تذكرت بلادي الآمنة بإذن الله يحرسها الإله ثم رجالها ونساؤها وشبابها، وتحرسها رعاية المولى العلي القدير وعينه التي لا تنام، وحرص القيادة وأبنائها لتجنيبها الربيع العربي الدامي تعالج نفسها وتصلح شأنها بعيداً عن حرائق زمن الربيع.
كانت فرصة في ملتقى اللغة العربية أن نعيد قراءة الوجوه التي تجمّعت في قاعة الفيصل وسط أجوائنا الممطرة هذه الأيام، والتعليم العالي يفتح الأبواب لإخواننا في العروبة والتاريخ والدين والدم والسجل الحضاري واللغوي الذي يجمعنا بأرض عربية واحدة، ذرات رملهـا متشابكة ودرعها العربي صخرة واحدة ومنابع مياهها واحدة، فرصة لاستيعاب ما حدث والعمل على سلامة الأوطان.