برغم أن القرآن وصفها بنملة غير معروفة فهي حينئذ نكرة، حيث لم تكن سيدة النمل ولا زعيمتهم، إلا أنها بلا شك حكيمتهم الحريصة على سلامتهم، فلم تكن مسؤولة عن الأمن والسلامة والاستطلاع والتّقصي فحسب، حيث جاء تحذيرها أمراً يستوجب الطاعة! ولم يواجهها أحدٌ من قومها في مملكة النمل العظيمة أو يصدمها بكلمة جارحة مثل: ومن تكونين؟! لا سيما أنها أنثى! فلم تكتفِ بالتبليغ بل أتبعته بالأمر، وهو ما استلفت سمع النبي سليمان ونظره، بل وتعجبه حين تبسم ضاحكاً من قولها ومن حرصها على قومها، وبذات الوقت أظهرت عدالة حكمها ومعرفتها بسليمان في توقعها حالته وجنوده، حين نسبت تحطيمهم لمساكن النمل بأنه قد يكون عفوياً، ويحدث دون علم منهم (وهم لا يشعرون) فهو ليس بملك جبار ولا باطش.. فكان نطقها عنه حقاً، وحكمها عليه عدلاً، وهو ما جعله يبتسم ضاحكاً من تحذيرها، شاكراً الله على نظرتها المنصفة فيه.
عندها طلب من الله أن يوزعه شكر النعمة وألا يصيبه الغرور سواء من معرفته بمنطق الطير وكلام الحشرات أو النظرة العادلة له، وقليل ما تحصل لزعيم!! وباستعراض الآية الكريمة وما تحمله من زخم يحمل التحذير والخوف على الأمة من خطر قادم متمثلاً بالتحطيم والقتل، نخرج بانطباع جميل وعجيب، وهو أن التحذير جاء من أنثى وليس من ذكر، وهو ما يظهر مقدرتها - رغم ضعفها - على تجنيب قومها من خطر داهم، ولم يقـوّض ذلك التحذير عصيانٌ لها، بل انصاعت النملات اللطيفات وذكورهن لهذا التحذير، فسلم الجميع..
وبرغم أنها أنثى تُوصم - عادة - بقلة في العقل والدين، إلا أنها كانت في كامل عقلها وتمام منطقها بوصفها للملك سليمان عليه السلام، حيث لم تؤلب القوم وتحرضهم عليه وتطالبهم بمواجهته بالقرص الخفي، برغم إجادة النمل له وقدرتهم المتناهية عليه دون الكشف عن موقعه الدقيق، فهي تمتلك القدرة العجيبة على الاختفاء والسرعة المتناهية في الحركة! ولم توغر صدور أفراد مملكة النمل العظيمة على هذا الملك وجنوده وتطلق عليه الصفات التي عادة تطلقها الشعوب على زعمائها كحالة من التّشفي أو الغيظ حتى ولو لم يكن له مبرر ولا سبب يدعمه! إن الأنثى العاقلة مهما كانت ضئيلة الجسد وضعيفة الإمكانيات بيد أنها تملك القدرة على الإقناع وتحمل الكثير من المنطق بصرف النظر عن مكانتها الاجتماعية أو العلمية والوظيفية.
ولو تأملنا سياق الآية وتمعنّا في مغازيها العظيمة؛ لأدركنا تكريم الله عز وجل للأنثى قبل ظهور كثير من الشرائع والديانات، وما يمارسه الذكور ضدها ينافي التشريع الإلهي الحكيم!!
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny