تقول العامة: (إذا كبر ابنك خاويه)، هذه نصيحة تقال للأب الذي كبر أبناؤه ومع ذلك مازال يعاملهم وينظر إليهم باعتبارهم أطفالا صغارا، فعلى الأب الذي كبر أبناؤه أن يتلطف معهم، ويغير نظرته إليهم، وأن يعي أن التعامل مع الأبناء عندما كبروا يختلف تماما عما كان عليه التعامل معهم عندما كانوا صغارا، وأن على الأب أن يتخلى وجوبا عن أساليبه السابقة في التعامل مع أبنائه عندما صاروا كبارا، وأن الأفضل له ولهم أن يرتقي في أساليب تعامله مع الأبناء الذين بلغوا سن الرشد بصفتهم رجالا، وأنهم (خويا) له.
يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله مقولته: لاعب ابنك سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا، هذه المقولة تتوافق مع مقولة العامة في مخاواة الابن إذا كبر.
والخوي هو الذي تأنس للاقتراب منه، فتقربه إليك، وتستشيره في أمورك، تفتح له قلبك، هو الذي لا تتردد في أن تصارحه بما تنوي فعله، وتسر له بما يعتلج في خاطرك، وما يسعدك أو يكدر خاطرك، إنه مثل الصديق الحميم الذي يحظى بالاحترام والتقدير، الأصدقاء لا تقوم علاقتهم ببعض على التسلط، أو على الأوامر والنواهي، أو على اسمعوا وعوا، ولا تنبسوا ببنت شفه، هذا ليس من شيم الأصدقاء وأخلاقهم، الأصدقاء تقوم علاقاتهم على التفاهم والتفهم، على المشاركة والتعاون، على التشاور والتناصح، وغير هذه العناوين التي تدل وتؤكد على الاستفادة من بعض كل ما أمكن ذلك.
ومراحل النمو معروفة سماتها وخصائصها على اختلاف الأزمان وفي كل مكان، (الطفولة، والطفولة المبكرة، والطفولة المتأخرة، والمراهقة، ومرحلة النضج)، ومرحلة النضج أو الرشد هي المرحلة الزمنية التي يصل فيها الإنسان إلى مستوى من كمال الوعي والفهم، كمال النفس والعقل والجسم، وتكامل في الإحاطة بمجريات الأمور ومتطلباتها، تكامل بين عناصر الشخصية كلها، وتعد هذه المرحلة مرحلة تحول جذري، لها سمات تقتضي سلوكيات معينة، له صفة الاحترام والتقدير في التعامل، والتفهم والمشاركة في العلاقة والتواصل، لأن الإنسان في هذه المرحلة العمرية يعي ويدرك، يحلل ويستنتج، لم يعد إمعة أو قاصرا.
فما كان مألوفا في السلوك، ومقبولا في التعامل قبل مرحلة الرشد، حتما لن يكون مألوفا أو مقبولا بعدها، قبل مرحلة الرشد يمكن تمرير العديد من التصرفات والأقوال والآراء، حتى وإن كانت غير معقولة أو مقبولة، بل ربما تكون خاطئة، ومع ذلك يمكن تقبلها وتمريرها دون عناء أو تكلف، لأن خصائص المرحلة تسمح بذلك، مرحلة محدودة الإدراك و الفهم، وبالتالي لابد من تفهم هذا وأخذه في الاعتبار، عند المخاطبة والتعامل والتفاهم.
الحال نفسها تنطبق على المجتمعات البشرية، فالمجتمع البدائي البسيط في تكوينه المعرفي والثقافي، بإمكانه القبول والرضا بأدنى ما يتيسر من الحقوق وأقلها، بل إنه يعد ما يمكن منه، ويقدم له، منحة وتفضلا، ولهذا من الطبعي ألا يلقى لمثل هذه المجتمعات بالا ولا اعتبارا، لكونها في نظر من يرعى شؤونها مجرد تجمع بشري طفولي غير راشد، وبالتالي ليس من حقه أن يتمتع بما يفترض أن يتمتع به التجمع البشري الراشد الذي يتمتع بالنضج المعرفي والثقافي الذي يفرض على الراعي أن يرقى إلى مستوى هذا المجتمع بسماته العقلية والفكرية المتقدمة، فيمكنه من ممارسة أدواره المجتمعية والمشاركة في صناعة المواقف والقرارات.
قد يبدو مثل هذا التقييم للمجتمعات البدائية موضوعيا، وهذه النظرة لها صحيحة ومنطقية، ولكن ماذا عن تلك المجتمعات إذا شب طورها، وتغيرت أحوالها، وغدت أكثر نضجا ووعيا وإدراكا لحقوقها ؟، فهل من العدالة والإنصاف أن تظل هذه النظرة لتلك المجتمعات كما لو كانت على حالها البدائية، وبالتالي تحرم من ممارسة أبسط أدوارها ؟، الجواب حتما لا.
abalmoaili@gmail