أوساط الحوار الفضائي وغير الفضائي تتناول وتترقب نتائج القضية الساخنة التي استقطبت الانتباه مؤخراً بمنطلقات مختلفة.
قضية مثيرة خرجت من أفق الفضاء الإلكتروني إلى ميدان القضاء على أرض الواقع. وهي تلك التي رفعها عضو مجلس الشورى الشيخ الدكتور عيسى الغيث ضد الشيخ الدكتور محمد العريفي الداعية المعروف في كل الفضاءات بما في ذلك فضاء تويتر والإذاعات التلفزيونية الفضائية.
التهمة التي وجهها الأول ضد الثاني هي الإضرار به وقذفه حين قام بإعادة «تغريد» -أي بث- رابط قصيدة رآها سيئة القصد والأدب والتعبير إلى متابعيه المليون!! ففي حين بدئا لم يدر الكثيرون عن هذه القصيدة فقد حملها الشيخ العريفي بإعادة تغريدها إلى متابعيه, ثم إلى الملايين بإعادة تغريدهم لها.
الرجلان يشتركان في الانتماء إلى التخصص المعرفي «الديني» وفي نفس البلد. وفي حين جاء رد فعل البعض على الحدث: «فخار يكسر بعضه»! جاءت ردود فعل أخرى متناقضة حرمتها قضية الشيخين من لازمة مستهلكة طالما اعتمد عليها في مناسبات مشابهة: «لحوم العلماء مسمومة».. لا تنفع الآن في اختلاف الشيخين حول ما يجوز أو لا يجوز من التصرفات في أفق مفتوح!
الشيخ الغيث يفهم حقوقه وقدراته بحكم مهنته في القضاء, ولذا نقل القضية بإيصالها إلى المحاكم إلى أفق آخر لا مجال فيه للشعبية أو الشعوبية أو الجاذبية التمثيلية أو الكاريزما الشخصية أو البلاغة الخطابية للتأثير في جماهير المتابعين.. وقد أحسن اختيار ساحة النزال وسلاح المبارزة!
ولدى العرب مثل بليغ يقول: «على نفسها جنت براقش! فالمدعي والمدعى عليه شخصيتان معروفتان خارج الإطار الفردي ولا تنقص أي منهما الكاريزما والبلاغة.. والقانون لا يتأثر بالمظهريات والعنتريات وعدد المتابعين.
لا أعرف هدف المدعى عليه من إعادة بث «الهجاء».. وأتفق مع نبل الهدف المعلن من المدعي أنه يرمي إلى تسجيل سابقة لتنظيف الفضاء الافتراضي من التلويث وإساءة الاستخدام والإضرار بالآخرين.
كثيرون يعتقدون أن فضاء التواصل الإلكتروني فضاء بلا أي تقنين! وأن أي قذائف فيه مسموح بها. وهذا طبعا ليس صحيحا ولا واقعيا ولا مقبولاً.. لا في عالم الفضاء الواقعي ولا في الفضاء الافتراضي.
في الفضاء الواقعي هناك خارطة متفق عليها لتحليق الطائرات مثلا لمنع الاصطدام الكارثي، وقوانين لمنع رمي المخلفات في المحيطات وفي هدود الآخرين وهناك قوانين لمنع تلويث البيئة بالصوت أو المخلفات في الشوارع والفضاءات الداخلية. بل هناك خارطة للفضاءات الخاصة بكل دولة تسري فيها قوانينها. السعودية مثلا تمنع المشروبات الكحولية ولا يحق لمسافر أن يحملها معه إلى داخل أراضيها.. كذلك محرم في معظم فضاءات الدول نقل المخدرات والمحظورات الأخرى كالأسلحة والنقود المزيفة.
وفي الفضاء الافتراضي هناك معادل معنوي لكل الممنوعات المادية. بعض المحلقين عبر الفضاء الافتراضي لا يرغبون قطعا في التلوث بمخلفات إساءة الأدب واللغة والاتهامات والقذف.. ولا يرغبون في أن يكونوا في مسار تراشقها لو رغبت أطراف مريضة في استخدامها أو إعادة توجيهها كقذائف انشطارية أو موجهة، مقصودة أو عشوائية.
الفضاء المفتوح ليس «حَواري» شعبية تسودها التصرفات الصبيانية والاستنفار لنصرة من ينتمون إلى السامع ليهبّ مع الآخرين لمزيد من التجريح. بل هو فضاء «حِواري» تحكمه أو يجب أن تسوده قوانين الحوار الحضاري. ولهذا هناك قانون رسمي للجرائم الإلكترونية التي يعاقب مرتكبوها على القيام بها.
كثيرون من مرتادي الفضاء الإلكتروني يجهلون حقوقهم في الحماية من تعديات الآخرين في نفس الفضاء.. عقوبة القذف في الفضاء الإلكتروني سنوات من السجن ومئات الآلاف من الغرامة المالية. هذا غير التلوث بالفضائحية المرتدة بسوء السمعة التي تسجل سوء نية المدعى عليه سواء فاز المدعي أم لم يفز! وللمتابعين ذاكرة لا تنسى المواقف والحركات المستهجنة!
نقطة بسيطة تتعلق بمسؤولية القذف والتشهير تحوّل وهم الفضاء إلى أفق القضاء!