نحن مبتهجون كالأطفال بأننا نعيش عصر الفضاء المفتوح! ما يذكرني بحزن الطيور المهاجرة التي تظل ترتطم بالزجاج العاكس في منزلنا بالظهران ترى وراءه انعكاس الأفق والشجر.. وتهوي إلى الأرض ضحايا مضرجة باكتشاف الحقيقة!
كلنا يحب التحليق في فضاء شاسع مترام يتيح حرية التواصل والتعبير دون حدود أو قيود معنوية أو مادية! ومع هذا ليس كما يبدو لنا فضاء حرا تماما, فهو أيضاً فضاء قابل للتزييف وللاستغلال وللإضرار والتلويث بالاختلاقات والتشهير وإساءة الأدب تجاه الآخرين ممن لا جريمة حقيقية لهم سوى أن هناك في هذا الأفق من يكرههم لسبب ما مشروع أو غير مشروع! ربما لأسماء آبائهم أو لملامحهم أو لسجل نجاحاتهم أو لتهديد متخيل!
ولذلك يحتمي كثير من المتوجسين وراء دروع أسماء مستعارة وصور رمزية وشعارات مثالية!
عالمنا اليوم شاسع بالتقدم التقني, وسخي بوعود الحرية المطلقة!
ولكنها في الحقيقة حرية مظهرية مصنفة ببلبلة برج بابل.. محكومة بالتشبث بحماية الأقنعة وفرص الالتفاف والتملص والتعذر وبتزييف الخبر وتزوير توقيع الكاتب أو صوت المتكلم وتركيب الصورة!
حرية مجازفة خطرة كمن يضيء كهوفا مليئة بالخفافيش لكي يستمتع بحرية الطيران بمواصفاته لمعنى الحرية ثم تبكيه التداعيات: واسألوا «أسانج» صاحب الويكيليكس وهو يحتمي بجدران سفارة غريبة عن وطنه ومصادر عصافير معلوماته! بل هناك الأسوأ من مهاجمة فرد بريء يستأهل أو يستأهل!
هناك احتمال أن تتسبب كلمة سيئة في تلويث سمعة فئة بأكملها وكل من ينتمي إليها!
من يدري أي جهة عدائية تتربص بالأصداء؟ همها أن تتجسس على ما يحمله الأفق من حوار حضاري وغير حضاري.. مقبول من الآخرين أو غير مقبول! لتعيد استخدامه وسيلة لتلويث سمعة المجتمع.. ضد المجتمع كله!
وعن هذه اسألوا «ميمري» الصهيونية كم استخدمت مقالات وتغريدات ومقولات بعض المحسوبين على الوطن أو العروبة أو الإسلام لتسجيل أهداف تلوث سمعة الوطن والعروبة والإسلام.. أو الأخطر تشجع على اتخاذ قرارات تضر بالمنتمي إلى أي منهاّ.
أصبح الفيسبوك ديوانية العرب والتويتر هايد باركهم.. كما هو لكل الجنسيات الأخرى!
اليوم وأنت تتواصل مع من تعرف ومن لا تعرف, متأثراً بتوتراتك وأفكارك الخاصة مفرغاً انفعالاتك في مساحة شاشتك ولوحة مفاتيحك؛ لست وحدك في أي ضغطة عليها فلا تنس أن ما تبث يقرأه الآخرون.
وهو بعد أن يُقرأ غير قابل للمحو!
هل تساءلت يوماً كيف يراك الناس عبر كلماتك العابرة لأجوائهم؟ مغرداً أم ناعقاً؟ كاذباً أم صادقاً؟ جديراً بالمتابعة أم لا تستحق أكثر من مرور عابر؟
هل فاجأك يوماً أن يرد مجهول ما لا تعرفه, متمترس خلف قناع بيضة, أو باقة ورد, أو صقر طائر، أو اسم مستعار, يعلن لك وللآخرين أنك فرد غير مرغوب فيه: ويتمادى في الإساءة فيمنح نفسه الحق أن يعلن بكل بجاحة أنه يشك في نواياك؟ أو يكرهك؟ أو حتى يسبّك ويشتم طوائفك ويلعن مذهبك وانتماءك؟
هل ترى صخبه صفاقة ويراه صراحة؟
وهل يراه الآخرون يقدم نصحاً أم يتوشح وقاحة؟
آفاق التقنية سلاح ذو حدين. ولهذا رغم أنه عالم التحليق فهو أيضاً عالم «الدرونز»، حيث الطائرات القاتلة بلا طيار.