وسط معترك الحياة المزدحم وفي عالم يموج بالحروب والنّزاعات تبرز لنا مواقف وأحداث لم تكن تخطر على بال ولم تأت في الحسبان، هناك تجد من أبعدته صروف الليالي والأيام عن أهله ووطنه يبحث عن العون بعد عون الله عز وجل، وعن السبيل للخروج من هذه المآسي والأحداث، وفي هذه المواقف تنبعث صورة من أروع الصور التي تكشف بجلاء عن بر هذا الوطن بأبنائه المعتقلين في غياهب سجون مختلفة من أنحاء العالم، لتؤكد بصدق أن هذا الابن وإن زلت به القدم هو من أغلى ثرواتها، وعندما نتحدث عن إشراقات هيئة الهلال الأحمر السعودي وتألقه في دوره الإنساني يبهرنا هذا النموذج المشرق الذي جاءت به الهيئة كإضافة رائعة في سجلها الناصع الوضاء في ميدان العمل الإنساني بمجمله، الذي أضحى سمة بارزة لهذه المؤسسة من بين مؤسسات هذه الدولة المباركة.
برنامج «إعادة الروابط العائلية» برنامج تبنته هيئة الهلال الأحمر السعودي متمثلة في الإدارة العامة للشئون الدولية والإغاثة منذ عام 2009م، فهو عبارة عن تمكين ذوي المعتقلين بالاتصال بأبنائهم المعتقلين في سجون مختلفة من أنحاء العالم عبر مكالمات مرئية حية بالصوت والصورة وذلك بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمنظمة دولية لتسهيل وإجراء هذه المكالمات.
بل إن هذا البرنامج أصبح يقدم هذه الخدمة «خدمة الاتصال المرئي» لإخواننا من أبناء الدول الشقيقة الذين يعيشون على ثرى هذا الوطن المبارك بغض النظر عن جنسياتهم.
ولك أن تتخيل أخي الكريم تلك المشاعر لأم مكلومة أو أب محروم أو زوجة أو أخ و أخت من أقارب هولاء المعتقلين عندما يرون أبناءهم وأقرباءهم رأي العين في صوت مسموع وصورة حية، وقد بعدت عليهم الشقة وانقطعت السبل، ولو أردت أن انقل هنا وأصور لكم مشاعر الفرح والسرور التي غمرت أهالي هؤلاء المعتقلين لما أستطعت إلى ذلك سبيلاً، فالمثل يقول «ليس من سمع كمن رأى».
الجدير بالذكر أن هذا البرنامج منذ بدايته قد سجل ولله الحمد نجاحات متوالية فقد تم إجراء 179 مكالمة هاتفية منذ بدايته وأكثر من 181 مكالمة عبر تقنية الفيديو ليحقق الهدف الإنساني الذي سعت الهيئة لتحقيقه وهو إعادة الروابط العائلية للأسرة الواحدة ومازال يواصل عطاءه تحليقاً في سماء العمل الإنساني النبيل.
وحري أن يكون التوفيق والنجاح حليف هذا البرنامج الذي يقود خطاه المسددة بمتابعته الشخصية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالله بن عبدالعزيز رئيس الهيئة، وما هذا البرنامج الإنساني إلا واحد مما تقدمه هذه الهيئة في ميدان العمل الإنساني الذي تضطلع به وتقوم به في بلادنا الطيبة لتضيف من خلاله بعداً إنسانياً جديداً إلى مؤسسات هذا الكيان الكبير، مؤكدة للجميع صدق ما اقترن باسم هذه الدولة «مملكة الخير والإنسانية» من معاني النبل والسمو وحب الخير للإنسانية جمعاء. والتي ما فتئت تقدم أروع الأمثلة في العمل الخيري على مستوى العالم.
إنني وأنا أكتب عن هذا البرنامج أجد قلمي عاجزاً عن نقل ما يكنه فكري ومشاعري من مشاعر وأحاسييس أهالي هؤلاء المعتقلين. فقد رأيتهم بأم عيني يثنون وتلهج ألسنتهم بالدعاء للقائمين والداعمين لهذا البرنامج الذي مكنهم من رؤية أبنائهم بعد زمن طويل.
أخيراً .. ما أردت من خلال هذه الأسطر القليلة إلا بث آيات الوفاء لهولاء النفر القائمين على هذا البرنامج ابتداء من داعمه الأول صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالله ومدير الإدارة العامة للشئون الدولية والإغاثة ومدير هذا البرنامج الأمير بندر بن فيصل وجزء من حقهم علينا في دعم هذا البرنامج والذي يحدوهم في ذلك نبل العمل الإنساني الذي سرى في قلوبهم حباً وعشقاً، وإن كان لي من إشارة في نهاية هذا المقال فإني أدعو مؤسساتنا الإعلامية بإعطاء هذا البرنامج حقه من التغطية الكاملة والرعاية والاهتمام للمساهمة في إبراز صورة مشرقة من صور العمل الإنساني الذي تضطلع به هذه المؤسسة العملاقة لتمسح دمعة محروم قد تجف في مآقيه إن لم تجد تلك اللمسة الإنسانية الحانية.