فقدت بلادنا يوم السبت الموافق 24-5-1434هـ معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين أحد رجالاتها الذين ساهموا في بناءها الإداري في مرحلة سالفة من مراحل تكوينها ولن أتحدث هنا عن علم الشيخ ولا عن زهده وتواضعه ولكن ما لفت نظري في سيرة الشيخ أنه من مواليد محافظة شقراء عام 1351هـ ومن الجيل الذي التحق بالمدارس النظامية أول افتتاحها وهي مدرسة شقراء التي افتتحت عام 1360هـ ضمن مجموعة مدارس في المملكة أمر بفتحها الملك المؤسس طيب الله ثراه ومنها انتقل إلى دار التوحيد وتخرج فيها عام 1370هـ ومنها إلى نواة التعليم العالي كلية الشريعة بمكة المكرمة التي تخرج فيها عام 1374هـ هنا سأتحدث عن هذه المرحلة التي تقرب من ربع قرن فأغلب المعايشين لهذا المرحلة يدركون أن التعليم كان تعليما تقليديا وكانت المناهج الدراسية يغلب عليها الصبغة الدينية والاهتمام باللغة العربية بل كانت هناك أصوات تعارض وجود المدارس وكفر من درس بعض العلوم الطبيعية أو ما كان يسمى بعلم الأشياء وما كان يجابه في ذلك الزمن هو الخشية من التقنين والقانون والحكم على دراسته بالخروج من الملة, الشيخ صالح الحصين نشأ في هذا الجو المتشدد والمتخوف من كل جديد ولكن فكره كان متحررا من الجمود والتقليد فكان أن التحق بالدراسة في جامعة القاهرة ليتوج الدارسة بالشهادة العالمية الماجستير في تخصص القانون ومن هنا كان انتقاله للعمل الإداري مستشارا بوزارة المالية ما أهّله فكره الفقهي والقانوني لنيل الثقة الملكية بالتعيين بمجلس الوزراء على منصب وزير دولة ثم عرف طلبة العلم عنه اهتمامه بمسائل الاقتصاد وقراءة أسفاره ومناقشة قواعده والكل يدرك أن كبار مشايخ ذاك الزمان لا يرون الاستظلال بظل البنوك والمصارف فكيف بزيارتها وتأصيل معاملاتها ومنتصف العقد الأخير من القرن الهجري الماضي ترك الشيخ الحصين العمل الحكومي وانخرط في العمل المجتمعي الخيري فكان له أثر واضح في مشاريع الإسكان ودعم مشاريع الوقف والعناية بالمرضى في وقت كان جهد الخيرين منصب على بناء المساجد وجماعات تحفيظ القرآن -ولست هنا انتقد هذه المشاريع ولكن انتقد وجود مسجدين ليس بينهما سوى بضعة أمتار وصفوف خالية وبطون خاوية - عاد بعدها الشيخ الحصين إلى العمل الحكومي رئيساً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وذلك عام 1422هـ أي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر هذه المرحلة التي شهدت الانقسام الشنيع بين أوساط الدعاةبين مؤيد لجريمة ابن لادن وبين معارض لإفساده في الأرض فكان الشيخ الحصين هو رجل هذه المرحلة بفكره الرصين وعقله المتزن ومن الفقه إلى الاقتصاد مرورا بالقانون اختير رئيسا لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والمنصف يرى أنه كان الرجل المناسب في المكان المناسب من حيث فكره الفقهي المرن ودرايته الإدارية وقربه من المجتمع وبساطته مع عامة الناس.
ونحن نودع الشيخ الحصين إلى مثواه الأخير بعد أن قدم لبلاده ومجتمعه علما فقهيا وفكرا إداريا وعملا تطوعيا لنتمنى أن نستفيد من سيرة الشيخ الحصين التي ظهر فيها جليا سعة أفقه وإدراكه لحاجات مجتمعه مع التزامه بالتأصيل الشرعي في جهوده وجهاده.
Dr_almarshad@hotmail.comوكيل دائرة التحقيق والادعاء العام بمحافظة ثادق