ما تفتقر إليه الصحافة المحلية، هو التواصل الحي مع الشارع. التقنية الاتصالاتية سهّلتْ الحصول على المعلومات، ومن ثَمّ صار الصحفي يعيش في المكتب أكثر مما يتجول في الميدان.
ولأن مستهلك الصحافة اليومية يملك نفس الوسائل التقنية، فإنه لم يعد محتاجاً للصحافة، لكي تنقل له الأخبار التي تصل لجهازه أولاً بأول.
كيف يمكن للصحيفة أن تتجاوز هذا الأمر؟ إذا هي قدّمت عملاً ميدانياً مميزاً، لا تستطيع الوسائل المتاحة أن تنقله.
وسأضرب هنا مثالاً حياً، هو سلسلة الجولات الميدانية التي أجراها الزملاء منصور عثمان وسعود الشيباني وعبدالله المسعود، والتي كشفت العديد من القصص على حدودنا الجنوبية.
لقد استوقفني هذا العمل الصحفي المميز، وجعلني أستعيد ثقتي بالصحافة المحلية، أي أننا لا نزال نملك القدرات المهنية، لصناعة عمل صحفي ميداني، يكشف حقائق ووقائع، ويلتحم مع الناس والأرض، وهذا هو الرهان الحقيقي والوحيد للصحافة.
إن مقالات الرأي والأخبار الواردة من الوكالات والأعمال الأدبية، لا تميز الصحيفة كثيراً عن غيرها.
ما يميزها حجم التصاق صحفييها مع الأزقة الخلفية والبشر المهمشين، والذين رأينا الكثير منهم في جولات الزملاء.
وللذين يظنون أن الصحافة، والتي غدت صناعة استثمارية، لا تحتمل سوى أخبار المجاملة ومقالات النفاق وتحقيقات العلاقات العامة، سأقول لهم إن أكثر الصحف في العالم توزيعاً، هي التي تنقل هموم الناس، ثم تبيعها للناس مرة أخرى.