رغم عدم قدرة مجلس الشورى على اتخاذ قرارات ملزمة، واقتصار دوره على الدور الاستشاري غير الملزم، إلا أن التقارير المرفوعة من الجهات الحكومية، ومناقشتها تحت قبة الشورى، قد أضافت بعض الحيوية على فضاء جلسات المجلس، وأسهمت في نقل هذه الحيوية إلى المجتمع عبر وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، ولكن ماذا بعد؟
معظم تقارير الجهات الحكومية لم تنجُ من ملحوظات أعضاء مجلس الشورى، وفي أحيان كثيرة، من غضب بعض هؤلاء الأعضاء وغيرتهم على وطنهم، وحرصهم على أن تؤدي هذه الجهات، وبالذات الجهات الخدمية، دورها على أكمل وجه، حفظاً للمواطن بحياة كريمة!
ولكن ماذا بعد؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه المواطن، وهو يسعد بإثارة قضاياه في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والعمل أو الوظيفة... وهكذا، فلا يكفي أن نعاتب الجهات المقصّرة، وأن ننصحها بكل تهذيب، بمضاعفة الجهد، بل علينا محاسبتها بشكل عملي.
أعتقد، وقد أجزم أيضاً، أن ما يجعل الأداء الحكومي منخفضاً في معظم الجهات، ومتعثراً كثيراً، هو افتقادها لمبدأ الثواب والعقاب، فلا يمكن أن يتطور أداء العمل، في أي مكان في الدنيا، دونما مكافأة المجتهد والمنجز، ومحاسبة المقصر ومعاقبته، لذلك لا يكفي أن يقول مجلس الشورى، بأن هذه الجهة مقصرة، وانظروا إلى تقريرها، لأننا بحاجة إلى قرار عملي يحاسب هذه الجهة أو تلك، وإعادتها إلى الخط القويم!
كنت أعتقد أن المواطن وحده هو من يسأل: وماذا بعد استضافة الجهات تحت قبة الشورى، ومراجعة تقاريرها؟ ثم ظننت أننا نحن - ككتاب رأي - مع المواطن نسأل: وماذا بعد يا شورى؟
لكنني اكتشفت أيضاً أن هناك من بين أعضاء المجلس من يسأل مثلنا: وماذا بعد مناقشة تقارير الجهات الحكومية؟ بل ما هو دور المجلس أساساً؟ فها هي عضو المجلس دلال الحربي تسأل عن دور المجلس: «هل هو رقابي، أم رقابي تشريعي، أم استشاري غير ملزم؟ ثم أجابت: حقيقة لا أعرف، وأضافت: ما هي الفائدة من مناقشة تقارير الوزارات إذا كانت قرارات المجلس لا قيمة لها، ولا تجد طريقها للنور».
أظن أن المجلس وقد جاوز العشرين عاماً، وهو يكاد يكمل قرناً منذ نشأته الأولى عند دخول الملك المؤسس مكة المكرمة عام 1924م، يحتاج إلى النظر ملياً في صلاحياته، كي يكون أكثر تأثيراً، وأكثر قدرة على الرقابة على أداء الجهات الحكومية، وأكثر قدرة على تحقيق مصالح المواطن، ومعالجة مشاكله، بل وتحقيق مصلحة الوطن، خصوصاً في ظل هذه التجاذبات السياسية، والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها معظم دول العالم.
ولعل منح بعض الصلاحيات للمجلس، لن تطور أداء الجهات الحكومية فحسب، بل حتى المجلس نفسه سيتغير، ويزداد تفاعل الأعضاء مع القضايا المطروحة للنقاش، خاصة وهم يدركون بأنهم قادرون على التغيير!