لم أكن أتوقع أن لقائي قبل أيام سيكون آخر لقاء يجمعني بالأخ المغفور له - إن شاء الله - عبد الرحمن الخريف؛ فقد كان في كامل صحته وحضوره الذهني، يتحدث عن طموحاته وتفاؤله بالحياة، ويعبِّر عن سعادته التي لا حدود لها بالمجتمع الذي يعيش بين أفراده وجماعاته، ويقول ما يسر خاطر المستمع من جميل الكلام وحلو الأفكار بلغة جميلة، وعبارات منتقاة، واحترام كبير للغير.
***
كان يجلس بجواري في مجلس الشيخ ثنيان فهد الثنيان بانتظار وصول سمو نائب وزير الدفاع الأمير فهد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن؛ إذ كان الشيخ الثنيان قد دعاه ضمن آخرين لحضور حفل العشاء الذي أُقيم على شرف سموه بمناسبة تعيينه نائباً لسمو وزير الدفاع، وكانت فرصة لي لأتبادل معه بعض الأحاديث الودية، واستعراض بعض الذكريات القديمة، وكان لحظتها منتشياً وفخوراً باهتمامه وعنايته شخصياً بكل ما له صلة بالقديم من التراث والتاريخ، فحدثني عن أنه يجمع ويحتفظ بثروة كبيرة من القطع والمصنوعات والمشغولات القديمة، وأن هذه الهواية تأصلت لديه منذ بواكير شبابه، وأن زوجته أم عبد الله تشاركه الاهتمام نفسه.
***
امتد بنا الحديث إلى الزراعة، وإلى دور شركتهم التي كان الفقيد يرأس مجلس إدارتها في خدمة هذا القطاع المهم بتوفير أفضل المعدات الزراعية، ثم أخذنا الحديث إلى قطاع الطباعة والنشر ودور شركة الخريف أيضاً في إدخال واحدة من أهم مطابع الصحف في العالم إلى السوق الطباعي بالمملكة، وكان يقول إن هذين النشاطين عرَّفاه بالناس، وإن صلته وعلاقته بالآخرين كانت أكبر مكاسبه من التجارة والعمل بالقطاع الخاص.
***
وامتداداً لهذا الحديث وقبل موعد العشاء فقد دعاني إلى زيارته في منزله بالرياض للاطلاع على ما يمتلكه من قطع ومصنوعات نفيسة بحكم قدمها وما ترمز إليه من مدلول تاريخي مهم، مؤكداً أنها تأخذ حيزاً من وقته في عنايته واهتمامه بها، ولا بد أنه دعا غيري، فهو كريم وسخي، واجتماعي على نطاق واسع.
***
وتزامن - تقريباً - اللقاء به في منزل الشيخ ثنيان مع اللقاء المصادف أيضاً في مدخل منزل وزير المياه والكهرباء المهندس عبدالله الحصين خلال التعزية في وفاة الشيخ صالح الحصين - رحمه الله - وكان مع حزنه لخسارة الوطن لهذا الرمز الكبير فقد كان هاشاً باشاً - كما يقولون - ولم يكن ولم نكن نتوقع أن أياماً معدودة بقيت له في هذه الدنيا الفانية؛ وأن أجله قد دنا؛ إذ إن حادثاً مرورياً كان بانتظاره مساء أمس الأول؛ لينقله مصحوباً برحمة الله - إن شاء الله - إلى الدار الآخرة مع سكرتيره الخاص وسائقه.
***
لقد صدمني خبر وفاة الأخ عبد الرحمن الخريف، وآلمني أن يكون وداعه لدنياه بهذه الصورة المفاجئة، وبالتأكيد فقد كدر الحادث وما نتج عنه خواطر محبيه الكثر، فكيف بأهله وذويه، لكنها مشيئة الله وقدره أن تكون نهاية حياته مأساوية ومفاجئة على هذا النحو، بينما كان في حيويته وكامل عافيته حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت الحادث ثم الوفاة.
***
ولا بد من التذكير بأن الفقيد كان على خُلق كبير، أنيساً في حديثه ومجلسه، وصاحب علاقات اجتماعية واسعة، دون أن تشغله الحياة عن واجباته والتزاماته الاجتماعية التي تميز بها، وكانت محل تقدير؛ فله منا الدعاء بالرحمة والغفران، ولأبنائه وزوجته وإخوانه خالص العزاء، سائلين الله أن يعظم الأجر في مصابهم الجلل، وهذه سُنَّة الله في خَلْقه، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.