يولي المسوقون أهمية كبيرة لعملية خلق سمعة مميزة لمنتجاتهم أو الخدمات التي يزمع تسويقها للمستهلكين، هذه السمعة تتمثل في تسمية المنتج وتكوين سمات له يستطيع المستهلك ادراكها وتكوين موقف من المنتج، لذا يجتهد المسوقون في استثمار موقف ومشاعر المستهلك لشراء المنتج، وقد اتفق المسوقون على تسمية هذه العملية التي تقوم على دراسة لخواص المنتج وطبيعة مجتمع المستهلكين بعملية بناء السمعة (Branding)، وقد تبين للمختصين بصناعة الاعلام والعلاقات العامة أهمية بناء السمعة في تكوين مشاعر المجتمع تجاه الشخصيات العامة أو من يطمح دخول معترك الاهتمام الشعبي من السياسيين والتجار ورواد الفكر والثقافة. لذا باتت صناعة السمعة من النشاطات المحورية ليس لمن يريد خوض غمار الاهتمام الشعبي فقط، بل لمن يطمح اعتلاء مراتب القيادة في قطاعات المال والأعمال.
منذ تسعينيات القرن الماضي بدأ الاهتمام بعملية تكوين السمعة لإكساب المديرين التنفيذيين في الشركات قبول وثقة المساهمين، واصبحت هذه العملية نشاطاً اختصاصياً تعرضه شركات العلاقات العامة لعملائها، واصبح هناك خبراء في هذا المجال، ومنذ ذلك الحين وصناعة السمعة تتطور كنشاط اقتصادي، ولم تعد مقصورة على كبار التنفيذيين ومن هم في مستواهم، بل اصبحت صناعة السمعة متاحة لمن هم دون ذلك في مراتبهم الوظيفية، بل إنها اصبحت لازمة لكل من يريد ان يرتقي سلالم النجاح العملي، طالما أن لديه من السمات ما يمكن تأليفها في صورة سمعة محددة (Brand) - استخدم المصطلح الانجليزي لأن المصطلح العربي لم يتبلور بعد - فصناعة السمعة لشخص ما، هي عملية منظمة تقوم على ربط السمات الذاتية للفرد بقيم متأصلة وسامية لدى جمهور المستهدفين ومن ثم العمل على ابراز تلك السمات بصورة ملاحظة لتكوّن شعوراً ايجابياً تجاه الفرد يقود لسلوكيات مستهدفة.
صناعة السمعة ليست عملية جديدة وعصرية، فهي ضاربة في التاريخ، ولكنها لم تكن عملية ممنهجة، حيث كانت تحدث بصورة تلقائية فيشتهر الفرسان بالشجاعة والكرم والادباء والفلاسفة بالحكمة والفقهاء بالورع والزهد، وتصبح اسماؤهم لصيقة لتلك السمات التي عرفوا بها، والعرب هم من الشعوب التي اولت صناعة السمعة اهتماماً مبكراً في تاريخها فسخرت الشعر والادب لذلك، وبات الشعراء هم صناع السمعة في التاريخ العربي، وأدرك ذوو السلطان ذلك فقربوا الشعراء واغدقوا عليهم العطايا والمنح.
في الوقت الحاضر اصبحت صناعة السمعة من اهم ادوات التنافس على المراتب والمصالح، وتنوعت اغراضها ووسائلها وحتى مناهجها، وهناك ما صار يعرف بإعادة صناعة السمعة، حيث يكون الفرد قد تعرض لما يشوه سمعته أو أنه اكتسب سمعة سيئة ويطمح لتغييرها، فيقوم صناع السمعة بعملية إعادة تكوين سمعة حسنة، تنسي المجتمع السمعة السابقة.
القصد من هذا المقال هو جلب الاهتمام لعملية صناعة السمعة وكونها من أهم مقومات النجاح العملي والحياتي، فتعدد وسائل الاتصال وسهولة نقل الانطباعات حول الشخصيات العامة، يجعل من عملية صناعة وصيانة السمعة عملاً واعياً ومهماً ومستداماً، فمن يراقب طروحات مرتادي مواقع الشبكات الاجتماعية يدرك أن السمعة لأي فرد هي في مهب الريح، فإن كانت ريحاً طيبة دفعتها للعلو وإن كانت ريحاً سيئة دفعتها للحضيض.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail