قوة الملاحظة عند الأطفال ضرورة تنسجم مع السمع والبصر وباقي الجوارح وبدونها لن يستطيع الطفل التفاعل مع البيئة التي يعيش فيها وهي غريزة فطرية تولد مع كل طفل. أصحاب الذاكرة النشطة يتذكر بعضهم فترة
رياض الأطفال عندما كنا نلعب تمثيلية الأب والأم كوسيلة عفوية تعبر عن إدراكنا لحقيقة العالم المحيط بنا، خلالها نهيئ المكان، ونقوم بتوزيع الأدوار ويتم التفاعل مع الأقران بشخصياتهم المفترضة بعد أن يتم توزيع مختلف الأشياء في زوايا مختارة فيتحول المشهد إلى صورة معبرة عن خواطرنا الطفولية مفعمة بالروح والحياة نعيشها ونحن نمثل دور الوالدين، وأثناء التمثيلية نقوم تلقائياً بتصحيح بعضنا البعض لتحسين إخراج المشهد الدرامي بعفوية وبراءة منبثقة من ملاحظتنا الفطرية لسلوكيات الوالدين.. ثم نكبر ونتعلم أن التمثيل شبهة تقتضي التحريم.. المسرح وسيلة مهمة للترفيه ولكن الأهم توظيفه كوسيلة إرشاد ونقد هادف. من مزايا المسرح أن أبطال المسرحية يتحدثون لغة الجمهور ولهم نفس ثقافة الجمهور وقطعة من نسيج المجتمع ويحملون نفس القيم والمبادئ التي يحملها الجمهور. كما يشعر الجمهور المتفرج أن أبطال المسرحية منهم ويتحدثون عنهم فيحصل من الغالبية التفاعل والاستجابة لرسائل النقد والإرشاد المنضوية بين ثنايا النص المسرحي وسهولة ربطها بالتطبيق العملي في واقع الحياة ومنها على سبيل المثال رسائل عن: محاسن الأخلاق، التحذير من البدع والمفاهيم الاجتماعية الخاطئة، تنظيم النسل، العنف الأسري، سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي، مظاهر الإسراف وتشجيع الاقتصاد المنزلي، مخاطر التلوث.. الخ. المسرح أحد الوسائل الفعالة لتشكيل الرأي العام وترقية الوعي المدني والتوظيف الخلاق للثروة اللغوية واستعمال دقة الوصف بدلاً من عموم اللفظ، كما يساهم العمل المسرحي في تباعد المسافة بين خطوط المحظور ليستوعب ميدان الوسطية متغيرات العصر.. لقد ارتفع سقف حرية الكلمة بسبب أدوات تقنية المعلومات متمثلة في الفضائيات، شبكات التواصل الاجتماعي، التراسل الإلكتروني وغيرها.. بل أصبح هناك مستويات متفاوتة من حرية الكلمة تختلف باختلاف وسائط المعلومات المستخدمة، على سبيل المثال سقف حرية الكلمة في الصحف الورقية أقل منه في الصحف الإلكترونية، بينما حرية الكلمة في المسرح الإسلامي تكاد تكون معدومة لكونه خارج الخدمة وتشغيله يتطلب هامشاً عريضاً من التسامح علاوة على سقف مناسب من حرية الكلمة..
والخلاصة أن البعض يرى خطر من ارتفاع سقف حرية الكلمة ويغيب عن إدراكه ان تلك المخاوف قد تكون نتيجة ضيق لديه في هامش التسامح (انتولورنس) بسبب علل شخصية ومن أهمها المبالغة في التحفظ يفضي إلى التزمت أو المبالغة في الاحتياط يفضي إلى الغلو. المسرح الإسلامي يحتاج إلى هامش عريض من التسامح، وبدون ذلك الهامش يحدث اختراق لخطوط المحظور الوهمية، عندها لن يتردد البعض من استعمال أدوات التقويم المعهودة من اجتهاد وقياس وأقوال عموم الجمهور لتجاوز الفكرة المطروحة على المسرح والقفز إلى النتائج التي تبرر الهجوم الصريح على كاتب النص والمخرج والمنتج ومختلف الشخصيات العاملة في المسرح.. ثورة المعلومات التي أنشأت تقنيتها وسائط مختلفة بمستويات متفاوتة من حرية الكلمة كفيلة بإنشاء مستوى من التسامح يجعل المسلم المبدع يتحرر من قيود التقليد ويتناول القضايا المعاصرة بأسلوب حديث منها المسرحيات الترفيهية المبطنة برسائل التوعية والإرشاد.
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji