لأنه اهتدى إلى أن المُحرك الأصيل الذي يدفع بالاقتصاد للانتعاش ليس إجبار العُمال على العمل -مثلا- كما أطلقها ستالين في مقولته الشهيرة «نحنُ لا نقيم المزارع الجماعية لتطعيم المتطفلين». اعتُبر آدم سميث الأب المؤسس الحقيقي لعلم الاقتصاد لأنه تجاوز شكليات الدغم والإجبار وأغلفة المادية إلى بواطن الفرد ليصل إلى أن قلب الاقتصاد موجودٌ في جوف الفرد وليس في جسد التدخلات السياسية وفرض العمل دون مراعاة لرغبات العمّال ومتاعبهم واحتواء حاجاتهم ورفاهيتهم.
و أطلق نظريته التي هيأت للإقتصاد أن يكون علماً مستقلاً قائما بذاته بعد أن كان مبعثراً في مقالات الفيزيوقراطيين من قبله والتي ركزت على أن دوافع الأنا في تحقيق المنافع الشخصية هي اليد الخفية (invisible hand) التي تنعش الاقتصاد بمجمل عملياته. لستُ هنا لأناقش نظرية سميث التي أُنتقدتْ فردانيتها على أنها أطلقتْ الحرية للفرد لتحصيل منافعة بأي شكل كان. وسببت في نهب الثروات وإشاعة البطالة وإقصاء الأخلاق وغيره من المآخذ. إني فقط أريد أن أوسّع الدائرة قليلا وأقوم بعمل سيميولوجي للحصول على الدلالات التي تشير إلى أن بلوغ الشخص كفايته من المنافع الشخصية لا تتحصل بفرض جو من القمع والتجميد لرغباته.. إنما باكتشاف حاجاته وإتمام مصالحه. لإن الإنسان خلق من إنانية وحب متناهي في جمع المال واكتناز الخيرات. ليس فقط في دوائر العمل ومنحنيات الإقتصاد إنما حتى في مفاصل الحياة والتجارب الإجتماعية. إننا حين نُريد أن نؤثر على أحد ما أو الاستفادة من طاقات الأطفال والشباب علينا أولا تقصي حاجاتهم وتحريكها نحو الإشباع بيد خفية لا تشعرهم بالسيطرة والاستغلال. ولربما يختلف تحديد المتعة من شخص لآخر ما بين انتفاع مادي وبين معنوي ولا فرق بينهما. لأننا في النهاية بشر نحيا ونُرزق!.
خلاصة ما أريد توضيحه هي عدم عملقة دوافع الإنسان لتصل إلى حالات ملائكية في أن يكون مكتفياً في الأصل والجبلة. لذا أرجح دائما أن المحركات الداخلية تؤتي ثمرا أكثر من فرض العمل بالإجبار والتقييد في كل مجالات التربية والتعليم والمعاملات الاجتماعية أيضاً .
kowther.ma.arbash@gmail.comkowthermusa@ تويتر