يذُكرنا ما يحدث من جهود لا تعرف الكلل ولا الملل لتقويض أمن العالم العربي من خليجيه إلى محيطه من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بفيلم أمريكي شهير عنوانه “الإمبراطورية تضرب مجدداً”The Empire Strikes Back،
بيد أن هناك فارقاً جوهرياً بين أحداث الفيلم الأمريكي الذي يستمد أحداثه من الخيال العلمي عن حروب بين مجموعة من الكواكب وكوكب الأرض، وبين ما يقوم به ساسة وملالى الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهود حقيقية لا افتراضية أو خيالية لنشر الفتن وتقويض السلم الأهلي في العالم العربي.
تنطلق إيران بجهودها هذه من حلم إعادة حلم قيام الإمبراطورية الفارسية ورسم حدود المنطقة من جديد بما يتناسب مع تطلعاتها التوسعية التي كانت من استراتيجيات إيران خلال حكم الشاه، ومع سقوط حكمه وتغيير القيادة في إيران فإن استراتيجيات التوسع لم تتغير وتم إلباسها بعد الثورة الإيرانية لباس الدين. ولعله من نافلة القول إن حرب الخليج الأولى التي نشبت في الثمانينات من الألفية المنصرمة أججت الأطماع الإيرانية. حرب استعرت لثماني سنوات عجاف بين كل من إيران والعراق كان محورها اختلاف كلا الطرفين على تفسيرات اتفاقية الجزائر التي حاولت ترسيم الحدود بين البلدين وتعين حصة كل منهما في مياه شط العرب. انتهت الحرب عام 1988م ولم تنتهِ تبعاتها ليومنا هذا.
ربع قرن انقضى منذ نهاية حرب الخليج الأولى ما انفكت فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية في التدخل السافر في جًُل البلاد العربية، ففي البحرين أشعلت نار الفتنة وما تزال في قضية داخلية بين أبناء الشعب الواحد محركها الأول والأخير أسباب اقتصادية بحتة ليست عصية على الحل مع صدق النوايا الخيرة التي تقودها الحكومة التي لم تألُ جهداً في دعوة المعارضة البحرينية للجلوس سوياً للحوار للخروج باتفاق يرضي الجميع من أجل أمن واستقرار ورخاء شعب مملكة البحرين بكل طوائفه الذين عُرف عنهم تسامحهم فيما بينهم وكان يضرب به المثل، حتى تدخلت إيران وأشاعت الشحناء والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد بمذهبية مقيتة لا تسمن ولا تغني من جوع، مذهبية تنشر الفرقة والخراب والدمار ولا غير ذلك. وآخر تدخلات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في البحرين ما صرح به حسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية الذي طالب فيه باعتذار حكومة مملكة البحرين عن تفتيش منزل آية الله عيس قاسم مهدداً برد غير متوقع في حالة عدم الاعتذار. تدخل سافر ينسف كل قواعد الجيرة والأعراف الدولية ويضرب بها بعرض الحائط.
وعن الوضع في العراق فحدث ولا حرج فالوضع مأساوي حتى النخاع ويعود الفضل لذلك وكما هو معروف لسياسات السيد المالكي الذي سلم ورهن البلاد والعباد لملالي وساسة طهران في مشهد عبثي لم يكن يخطر ببال أحد ونتائجه حلقات تزداد تعقيداً مع كل يوم رمت العراق في هوة لا قرار لها ومستقبل شديد الضبابية وحالك السواد، من نتائجه الخوف من تقسيم العراق إلى ثلاث كاونتنات سنية وشيعية وكردية.
وفي اليمن ليس الحال فيه بأفضل مما قامت به إيران في البحرين والعراق فدعمت تمرد الحوثيين الذين شنوا على الدولة اليمنية ست حروب، وبدت اليمن لساسة وملالي طهران ككنز مفقود لما يمثله لهم من أهمية قصوى في استراتيجيتهم لتقويض أمن العالم العربي، فوجهوا كل جهودهم نحو تنفيذ مخططاتهم التي حرصوا على استمراريتها بمكر ودهاء شديدين بأن نشروا المذهب الاثنا عشري الذي تتبعه إيران بين الحوثيين في محاولة لتحويلهم عن مذهبهم الزيدي. ولإكمال منظومة الدعم وبعد أن ضمنوا ولاء الحوثيين العقائدي شرعوا في تزويدهم بالمال والسلاح. وكان آخر ما كُشف عنه من إرهاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو ما يخص السفينتين المحملتين بالأسلحة، إحداهما كانت محملة بأكثر من مائة وعشرة أطنان من الأسلحة التي كان بعضها متطوراً للغاية من صواريخ سام الروسية المضادة للطائرات وأجهزة تحسس حرارية تمنع الطائرات من تحديد الصواريخ المطلقة عليها. ولم ينتهِ الدعم الإرهابي الإيراني للحوثيين من منطلق عقائدي حسب مخططاتهم بل شمل كذلك الحراك الجنوبي الداعي للانفصال عن الجمهورية اليمنية في منحي يؤكد أن ملالي وساسة طهران لم يمتطوا الدين حباً واعتقاداً بل لتنفيذ أحلامهم التوسعية في تقويض أمن العالم العربي.
وشمل إرهاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية لبنان الذي لن يتعافى سياسياً واقتصادياً باستمرار الوضع الحالي الذي خلق دولة داخل دولة بحزب يسبح ليل نهار بحمد ملالي طهران وأنه ذراعهم لتنفيذ كل ما يصدر من أوامر تصله من طهران.
سورية ذهبت في مهب الريح، فمشاهد القتل وآلة التدمير التي تضخ فيها إيران في أتون حرب مشتعلة منذ سنتين حولت البلاد إلى خراب وشردت الملايين في الداخل وللخارج، وتداعياتها بعد انتهائها لا يعلم بها إلا الله عطفاً على الوضع الشديد التعقيد على الساحة السورية.
وفيما يخص شبكات التجسس الإيرانية في المنطقة العربية فلا تكاد تنقضي فترة من الزمن حتى يتم الكشف عن إحداها في هذا البلد العربي أو ذاك. وإضافة إلى شبكات التجسس هناك شبكات نشر التشيع التي تعمل بشهية منقطعة النظير وميزانيات هائلة لم يسلم منها أي بلد عربي أو غير عربي.
سنتان بحد أقصى تفصلان ملكية إيران لقنبلة نووية وكما أعلن ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ فترة خلت، هذا الأمر يطرح تساؤلاً في غاية الأهمية وهو ماذا اعددنا في المنطقة العربية عموماً والخليجية خصوصاً من استراتيجيات للتعامل مع هذا الواقع؟ خصوصاً أن التجارب السابقة للتفاهم مع إيران دبلوماسياً ذهبت أدراج الرياح وينطبق عليها بيت الشعر العربي القائل:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
السيناريو المرعب هنا وبامتلاك إيران القنبلة النووية فسيستيقظ العالم العربي ليجد نفسه بين طرفي كماشة مظلة رعب نووية أطرافها إسرائيل وإيران. فماذا نحن فاعلون؟!
Alfal1@ hotmail.com
باحث اعلامي