أتمنى أن أعثر يوماً على إحصائية تفيد بعدد المعلمات المتوفيات في حوادث الطرق، أي ما يسمى نظاماً حوادث عمل، خلال السنوات العشر الماضية، لا أعرف لماذا لدي شعور بأن الرقم لا يختلف عن رقم قتلى الحروب خلال إحدى حروب العصر الحديث!.

ورغم كل الشكاوى، والكتابات الصحفية، وإثارة الموضوع وتكراره في وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن مسلسل موت المعلمات ما زال مستمراً، وحكاياهن المأساوية تجرح القلب، من عروس ماتت قبيل زواجها بأيام، إلى أم تركت خلفها أطفالاً بينهم من هو رضيع، وغير ذلك، وهن يسعين تحت ظل الحاجة إلى الكسب الكريم، الذي يغنيهن عن الحاجة إلى الآخرين. كل ذلك يحدث دون أن تتكرم الجهة المختصة، أعني وزارة التربية والتعليم، بأي مبادرة من شأنها حل المسألة جذرياً، كل ما هنالك أن يصرح مصدر مسؤول بالوزارة، بأنه على المعلمة أن تقيم في القرية أو الهجرة التي تم تعيينها فيها، أو أن يبرر الحادثة بأن وسيلة النقل المستخدمة كانت غير مؤهلة، لكنها لا تفكر بطرق أكثر مسؤولية من الكلام في وسائل الإعلام، كأن تبادر إلى نقلهن فوراً إلى مقر إقامتهن، أو توفير النقل المناسب و(المؤهل) حسب مصطلحات الوزارة، حتى يتم إيصالهن إلى عملهن، والعودة بهن إلى منازلهن، بأكثر الوسائل أماناً، وأكثر المركبات تحقيقاً للسلامة!.

ماذا لو تكرمت، واقتطعت بدل النقل على المعلمات اللاتي يعملن خارج مقر إقامتهن، واحتفظت به في ميزانيتها (حلال عليها) مقابل أن تؤمن لهن السفر الآمن إلى أعمالهن!.

أكاد أجزم أنه لو حدث مثل ذلك، في دول تهتم بالإنسان، بحياته وسلامته، لحدث استنفاراً فيها، وفي مؤسساتها، لا أن تمر السنوات تلو السنوات، والأسفلت يصطبغ بدماء النساء الكريمات، الذاهبات تحت وطأة الحاجة والعزة والكرامة، ولا نجد أي تحرك، سوى التصريح تلو التصريح، والتبريرات غير المنطقية.

الغريب أن الوضع سابقاً، وقبل سنوات بعيدة، كان مستوى النقل المدرسي، أفضل بكثير مما هو عليه الآن، فكثير من المدارس كانت توفر الحافلات المقبولة للطالبات، ولكن حتى هذه تضاءلت، وتركت الوزارة الحبل على الغارب في شأن نقل الطالبات، فدخلت مركبات متواضعة يمتلكها أشخاص غير مؤهلين، إلى السوق.

أظن أن ملف نقل المعلمات من وإلى القرى والهجر، ملف مهم جداً، على الوزارة إيجاد حلول سريعة وناجحة، لإيقاف نزيف المعلمات، وموتهن على الطرقات، وللحفاظ على أولاد من تبقى منهن، كي لا يتيتموا مثل غيرهم، فهي مسؤولية يجب تحملها بشجاعة، والمبادرة بحلها سريعاً.

تلويحة: سأعود إلى الكتابة - بإذن الله - بعد إجازتي السنوية، في21 شعبان القادم.