في حين لا زالت معظم المدارس الأجنبية العاملة في المملكة وحتى هذا الأسبوع (وهو بداية الأسبوع الثالث تقريباً في شهر يونية)، تنهي عامها الدراسي الحالي بدوام كامل ومراجعات ومسابقات رياضية وأنشطة مختلفة، ولم تدخل بعد أجواء العطلة، يتمتع طلابنا السعوديون بإجازات مجانية، وخاصة في المرحلة
الابتدائية التي تتبع نظام التقويم التعس، وهاهم طلابها يسرحون ويمرحون منذ أكثر من شهر تقريباً، دون أن يكون هناك حسيب أو رقيب على هذه المدارس للتأكد من التزامها بأبسط شروط التعليم، وهو إنهاء عدد محدد من الأيام الدراسية كل عام.
إنّ إنهاء عدد محدد من الأيام الدراسية شرط أساسي لاكتمال العام الدراسي، كما أنه ضروري لإنهاء الخطة الدراسية المقررة في مختلف المقررات واكتمال حلقة التدريبات والنشاطات في الجانب اللاصفي والرياضي بكل أنواعه، فهل أنهت الكثير من المدارس السعودية حكومية أو أهلية خططها الدراسية كما هي مقررة، وأنهت عمليات التقويم (المائعة وغير الواضحة)، أم أنّ الأمر لا يتعدى تنجيح كل الطلاب وقذفهم إلى المراحل التالية، ليتم تصدير قوافل الجهل والأمية الفكرية واللغوية والرياضية عاماً بعد عام ؟؟.
هل يمكن لأي منا أن يتأكد من كيفية إتمام عمليات التعليم والتعلُّم، خاصة وأنّ نسبة كبيرة من الطلاب وفي المدن الكبرى كالرياض وجدة والدمام، ملتحقون بمدارس القطاع الخاص التي لا سبيل إلى متابعتها بدقة ومعرفة كيف تتم عملياتها التنجيحية (العشوائية)، حيث يكون العامل الحاسم في ذلك هو ضغط الأهالي باعتبارهم (الدافعون) للأقساط المدرسية فهم حجر الزاوية الذي يدعم وجودها ويحدد مخرجاتها في نهاية العام، وليس المستوى الحقيقي للمعارف والمفاهيم اللغوية والرياضية والعلمية والدينية والبيئية والعالمية التي عليهم تعلُّمها، إضافة إلى المهارات والأنشطة اللاصفية التي لا تحظى باهتمام يذكر على أية حال في كافة القطاعات التعليمية أهلية أو حكومية.
الكثير من مدارسنا وخاصة في القطاع الخاص لا تحظى بثقة الأهالي، ولا سبيل لديهم للتأكد من نواتجها العلمية والمعرفية والثقافية، وربما تتسلون كقراء بالعودة والاطلاع على ذلك الكتيب الصغير الذي سبق أن استعرضته هنا في أحد مقالاتي قبل سنوات وكان عنوانه نجح نجح (بالشدة على الجيم) رقع رقع.. رفع رفع: السلوكيات الميدانية في المؤسسات التربوية، وهو استعراض لكتاب طريف أنتجته بعض المعلمات تحت عنوان (خربشة معلمات: نجح.. نجح.. رفع.. رفع.. رقع.. رقع..: قصتي مع التعليم المنكوب والبقرة الحلوب)! وللأسف وحتى هذه اللحظة لازالت البقرة الحلوب تخرج نواتجها الضعيفة علمياً واجتماعياً، ولازالت الشهادات والدبلومات تمنح في تبجيل التجهيل وللامعرفة!!!
ونتيجة لهذا الضعف فستظل مخرجات هذه المؤسسات عاجزة عن الحصول على وظائف بعد التخرج في أي قطاع خاص أو حكومي لتدني مهاراتها المهنية والعلمية، علماً أنّ البرامج الحكومية التي تعمل على التوظيف الإجباري لقدامى الخريجين (الوظيفة حق من حقوقهم الوطنية لا جدال فيها)، لكن بشرط أن لا يشكِّلوا طوابير إضافية للبطالة المقنعة داخل مؤسساتهم كما هي حالهم اليوم.
لن يقوم لهذا التعليم قائمة إلا بنخله من جذوره وتغيير جملة من المسلّمات التي بني عليها، بحيث كان التركيز على أن يكون تعليماً تقليدياً يعتني بحفظ التراث وترديده كأحد أهم أهدافه. نعم.. نحتاج إلى الحفاظ على التراث والتأكد من نقله إلى الأجيال التالية، لكننا أيضا نحتاج من كل جيل أن لا يكون عبئاً علينا كدولة بعد التخرج، وبدلاً من أن يلتقطه القطاع الخاص أو العام، نبدأ نحن كأجهزة دولة في وضع مكافآت مجزية أو غرامات صارمة لمن لا يرضى الاقتران به مثل الفتاة البائرة التي عجزنا عن إيجاد زوج مناسب لها لقبحها أو بدانتها أو لنقل كما يقول والديها: (لحظها العاثر) ويا لهذه الحظوظ العاثرة التي تملأ دروبنا في التعليم والعمل والحياة اليومية المملة.. وكله من صنع أيدينا أليس كذلك ؟؟؟؟
حينما ننظر إلى التعليم كعملية نمو متكاملة تشمل العقل والبدن والنفس ، وتعني بالفرد والمجتمع ومن حولهما من بيئات مادية أو معنوية، ونعيد تخطيط أهداف التربية والتعليم لتشمل كل ذلك، وتكون هذه المراجعات وليدة كافة الأقطاب ذات العلاقة من تربويين وخبراء وأهالي وصانعي قرار، وبعيدة عن الأدلجة بحيث يكون هدفها تحقيق التعليم والتعلم الحقيقي كما نراه في كل أنحاء العالم وخاصة تلك البلدان التي أظهر طلابها تفوقاً ملحوظاً في أدائهم في الاختبارات العالمية مثل كوريا الجنوبية وسنغفورة وفنلندا.. يومها سنبدأ في تحقيق المصالحة التاريخية بين مؤسسات التعليم والمواطن واستعادة بعض ثقته في نواتجها.. النماذج الإيجابية والناجحة لنظم التعليم موجودة حولنا وعلينا فقط أن ندير رؤوسنا قليلاً ونراجع بصدق وشفافية ما نفعل، أي أن العجلة التعليمية المتميزة موجودة فعلاً ولا نحتاج إلى إعادة اختراعها.. فقط علينا أن نعرف كيف نحركها وفي أي اتجاه؟